حسين عبدالبصير

محمد برطش.. رحلة فنية عبر الألوان والتسامح في عالم الفن المعاصر

الجمعة، 21 فبراير 2025 10:05 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

محمد برطش، فنان مصري معاصر، يعتبر أحد الأسماء البارزة في المشهد الفني الدولي. وُلد في القاهرة عام 1969، حيث نشأ في بيئة تحفز الإبداع والتفكير النقدي. على الرغم من أنه بدأ مشواره الأكاديمي في مجال الإدارة، إلا أن حبه للفنون البصرية دفعه للتخصص في هذا المجال لاحقًا. درس الإدارة في جامعة واشنطن، وهو حاصل على شهادة في حوكمة الشركات، بالإضافة إلى كونه خبيرًا في الشراكات الاستراتيجية، إلا أن مسار حياته الفني هو الذي منحه الشهرة والاعتراف على المستوى العالمي.

لم تقتصر اهتماماته على المجال الأكاديمي أو الاحترافي فقط، بل كان للفن مكانة خاصة في قلبه منذ الصغر. بدأ برطش دراسته في الفنون البصرية مع الفنان المصري الكبير صبري راغب، وهو أحد رواد الفن المعاصر في مصر، بالإضافة إلى دراسته مع الفنان المكسيكي هيكتور كارديناس. هذه التوجيهات أكسبته رؤى متعددة في عالم الفن، وفتح أمامه أبوابًا جديدة للابتكار والتعبير عن الذات من خلال اللوحات والأعمال الفنية المميزة.

التفاعل مع الفنون والثقافات العالمية

استمر برطش في تطوير مهاراته الفنية عن طريق حضور العديد من ورش العمل الفنية في إسبانيا، حيث كانت هذه التجربة من المحطات المهمة التي أثرت بشكل كبير في توجهاته الفنية. في هذه الورش، تعرّف على أساليب وتقنيات جديدة ساعدته على استكشاف أبعاد جديدة في فنه، وكانت بمثابة جسر يربط بين التراث الفني المصري والفن العالمي المعاصر. هذه التجربة أثرت بشكل إيجابي في تعبيراته الفنية وجعلت أعماله أكثر تنوعًا وثراءً.
في عام 2024، اختيرت إحدى لوحات برطش لتكون ضمن النسخة الافتتاحية من كتالوج "فنانون من أجل السلام" في دبي، وهي واحدة من أبرز المحطات في مسيرته الفنية. هذه الفعالية جمعت أكثر من 100 فنان من مختلف أنحاء العالم، ما يعكس مدى أهمية أعماله ودورها في تعزيز ثقافة السلام والتسامح عبر الفنون.
تقدير برطش لمفهوم "السلام" يظهر جليًا في أعماله؛ إذ أن الفن بالنسبة له لا يقتصر على كونه وسيلة للتعبير عن الجمال فقط، بل هو أداة للتقارب بين الشعوب والثقافات المختلفة. يسعى من خلال إبداعاته إلى سد الفجوات بين المجتمعات المتنوعة ثقافيًا واجتماعيًا، والعمل على إرساء سرديات بديلة تعزز التفاهم المتبادل.
فلسفة برطش الفنية: "الباريدوليا" والتعددية.

الباريدوليا هو المصطلح الذي يطلق على الظاهرة النفسية التي تحدث عندما يحدد العقل البشري شكلًا مألوفًا أو معروفًا في شيء غير واضح أو عشوائي. مثلًا، قد يرى شخص في سحابة شكلًا مشابهًا لحيوان أو شخص، بينما في الواقع هذه السحابة لا تحتوي على أي شكل معين. يعتبر برطش هذا المفهوم جزءًا أساسيًا من فلسفته الفنية. فبنظره، العالم من حولنا مليء بالأنماط والرموز التي قد تكون غير واضحة أو قد تكون مجرد تصورات عقلية، ولكنها تفتح أبوابًا لفهم أعمق للواقع من خلال تأويلات مختلفة.

يعتقد برطش أن الفن يمكن أن يكون مرآة متعددة الوجوه، حيث يقدم لكل شخص يتفاعل معه تفسيرات متنوعة تبعًا لخبراته الشخصية ورؤيته للعالم. من خلال هذا التأويل، لا يرى الفنان أن هناك حقيقة واحدة أو مطلقة، بل يعتقد أن كل شخص لديه حقائق خاصة به، والتي تساهم في تشكيل تصوراته حول الأشياء. هذا المفهوم يتيح للجميع أن يروا نفس الشيء من زوايا مختلفة، مما يساهم في خلق مساحة للحوار والتفاهم.

بالإضافة إلى مفهوم الباريدوليا، يعتبر برطش أن اللون هو عنصر رئيسي في لوحاته. الألوان بالنسبة له لا تحمل فقط دلالات جمالية، بل أيضًا رمزية وفلسفية عميقة. فهو يرى أن كل لون يمثل جانبًا من جوانب التجربة الإنسانية أو الروحية، وأن التلاعب بالألوان يمكن أن يعكس مشاعر مثل الأمل، والحزن، والحب، والصراع. في العديد من أعماله، تُظهر الألوان المكثفة والمزج بين الأشكال الطبيعية والخيالية تضاربًا بين الواقع والأحلام، مما يعكس عمقًا نفسيًا ووجوديًا.

معارضه الفنية

على مدار مسيرته الفنية، أقام محمد برطش العديد من المعارض الفردية والجماعية التي استقطبت جمهورًا واسعًا من مختلف أنحاء العالم. لقد كانت هذه المعارض بمثابة منصات للتعبير عن رؤيته الفنية والمشاركة في الحوار العالمي حول الفنون. في عام 2004، شارك في معرض جماعي في باريس، وهو أحد أهم العواصم الفنية العالمية، حيث التقى العديد من الفنانين الدوليين. في 2006، كانت له مشاركة أخرى في معرض جماعي في أثينا، اليونان، مما يعكس مدى التنوع الثقافي الذي يميز أعماله.
في عام 2010، أقام معرضًا فرديًا في متحف أحمد شوقي في القاهرة، وهو واحد من أبرز المتاحف في مصر. كانت هذه فرصة كبيرة لعرض أعماله التي تعكس تقنيات وتوجهات فنية جديدة في المشهد المصري. كما أقام معرضًا آخر في دار الأوبرا المصرية في نفس العام، وهو موقع يعد من أهم الأماكن الفنية في القاهرة، مما جعله يحظى باهتمام واسع من النقاد والجماهير.
في 2014، أقام معرضًا فرديًا في جاليري "آرت وميس" في باريس، المدينة التي لطالما كانت مهدًا للفن والإبداع. كانت هذه المعارض بمثابة محطات هامة في مسيرته التي تمتد عبر العديد من الدول. ومن بين الدول التي عرض فيها برطش أعماله كانت لوكسمبورج وألمانيا وفرنسا وسويسرا، حيث تمتاز أعماله بالطابع العالمي الذي يوازن بين الأصالة والتجديد.
أحدث معارضه في 2024 شملت عدة مواقع مهمة، بما في ذلك معرض فردي في المتحف اليوناني الروماني في الإسكندرية، ومعرض جماعي في مدرسة شولتز في نفس المدينة. بالإضافة إلى معرض فردي آخر في مؤسسة "ران" في لايبزج بألمانيا، حيث تواصل أعماله الانتشار والاعتراف في مختلف أنحاء العالم.
وسوف يكون معرضه الفردي القادم تحت عنوان "الأساطير المصرية وسطح الكون". وتم اختياره للاشتراك في معرض جماعي في اللوفر كاروسيل باريس في شهر أغسطس 2025.

التأثيرات الإنسانية والفنية

يعتبر محمد برطش أن الفن هو وسيلة للتعبير عن المشاعر الإنسانية العميقة، التي قد تكون غير قادرة على التعبير عنها بالكلمات. وبالتالي، يرى أن الفنانين قادرون على خلق عالم بديل من خلال لوحاتهم، عالم يحمل قيمًا إنسانية مثل الأمل، الحب، التسامح، والسلام. هذا التوجه يتجلى في العديد من أعماله، حيث يسعى إلى تحويل معاناة البشر وصراعاتهم إلى أعمال فنية يمكن أن تكون ملهمة وتحث على التغيير.
من خلال لوحاته، يعتقد برطش أن الفن لا يقتصر على كونه وسيلة للتجميل أو الترفيه، بل هو أداة قوية لتغيير الواقع. فهو يرى أن الفن يمكن أن يكون وسيلة لتعزيز التسامح وبناء الجسور بين مختلف الثقافات والشعوب. في هذا السياق، يرى برطش أن الفن قادر على لعب دور محوري في حل النزاعات وتعزيز السلام، كونه يتجاوز الحواجز اللغوية والجغرافية والثقافية.
الفن بالنسبة لبرطش هو لغة عالمية يمكن أن تصل إلى قلوب الناس في جميع أنحاء العالم، وتساهم في تحويل الرموز التي قد تكون مؤلمة أو تعبيرات عن الصراع إلى رموز من الأمل والمصالحة. لوحاته تُظهر كيف يمكن للجمال أن ينبثق من الألم، وكيف يمكن للوحة فنية أن تكون وسيلة للشفاء النفسي والاجتماعي.

برطش في عالم الأعمال والشراكات الاستراتيجية

إلى جانب مسيرته الفنية، يمتلك محمد برطش خبرة واسعة في مجال الأعمال والشراكات الاستراتيجية. وهو استشاري معتمد في حوكمة الشركات، حيث يمتلك أكثر من 25 عامًا من الخبرة في هذا المجال، مما جعله يحظى بسمعة قوية في الأوساط الاقتصادية. كانت له مشاركات في مؤتمرات دولية مثل مؤتمر الأغذية الأفريقي في 2014، حيث كان متحدثًا ضيفًا، كما مثّل شركة كارفور مصر في مؤتمر الشرق الأوسط في دبي.
بالإضافة إلى لغته الأم العربية، يجيد برطش الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، مما يسهل عليه التواصل مع مختلف الشركاء والفرص التجارية على مستوى عالمي. تعتبر مهاراته في القيادة والشراكات الاستراتيجية أحد العوامل التي مكنته من تحقيق النجاح على الصعيدين الفني والمهني.
محمد برطش هو فنان ذو رؤية فنية فريدة تجمع بين التوجهات المعاصرة والفلسفة الروحية، حيث يسعى من خلال أعماله إلى نقل رسالة إنسانية عميقة تهدف إلى تعزيز التسامح والسلام بين الشعوب. بفضل تجربته المتعددة الجوانب في الفن والإدارة، تمكن من بناء مسيرة مهنية بارزة، سواء على صعيد الفنون أو الأعمال. أعماله الفنية تظل نقطة التقاء بين الثقافة الشرقية والغربية، وتستمر في جذب انتباه جمهور عالمي متنوع.
من خلال فلسفته الفنية التي تعتمد على التأويلات المتعددة والباريدوليا، يواصل برطش مسيرته في استخدام الفن كوسيلة للتعبير عن حقيقة إنسانية لا تتوقف عند حدود ما نراه بالعين المجردة










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة