تشهد الساحة الدولية تحولات كبرى تتجاوز الأزمات التقليدية نحو إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي والاقتصادي. فبين التصعيد في غزة، وتوترات الشرق الأوسط، تلوح في الأفق حرب تجارية ممتدة قد تعيد رسم موازين القوى لعقود.
الولايات المتحدة تدخل مرحلة جديدة من المواجهة الاقتصادية، لا تقتصر على الصين وحدها، بل تمتد إلى حلفائها التقليديين. أوروبا تجد نفسها أمام اختبار صعب، فإما أن تخضع للضغوط الأمريكية، أو تواجه تداعيات اقتصادية قاسية قد تزيد من هشاشتها الحالية. في المقابل، تتسع دائرة الصراع مع مجموعة "بريكس"، مع تصاعد التوترات بين واشنطن وجنوب إفريقيا، وسط محاولات أمريكية لإضعاف التكتل الذي من الممكن أن يكون له فرصة تاريخية ليكون ملاذًا اقتصاديًا للدول المتضررة من الاضطرابات العالمية.
التحولات المتسارعة تضع العالم أمام مفترق طرق سيحدد شكل النظام الاقتصادي لعقود قادمة، في سيناريو يعيد إلى الأذهان الأجواء التي سبقت اندلاع الحرب العالمية الأولى، حيث تراكُم الأزمات الاقتصادية كان الشرارة الأولى لصراعات كبرى.
كما برزت مبادرات دبلوماسية في منطقة الخليج، حيث استضافت المملكة العربية السعودية مناقشات رفيعة المستوى جمعت بين ممثلي الولايات المتحدة وروسيا لبحث التطورات في أوكرانيا. ومن اللافت أن هذه اللقاءات لم تشمل الرئيس الأوكراني.
هنا ترى الولايات المتحدة لأوكرانيا أن دعمها لأوكرانيا كان دون مقابل حقيقي، مما يشير إلى استعداد أمريكا لإبرام صفقات تضمن لها استفادة استراتيجية؛ إذ يبدو أن أوكرانيا قد تضطر في نهاية المطاف إلى التنازل عن حقوقها في المعادن الأرضية النادرة، وتخرج روسيا منتصرة وتضمن تأمين منفذ بحري ومناطق عمق جغرافي حيوي، حيث تتحرك واشنطن لضمان مصالحها من خلال صفقة تضمن لها السيطرة على المعادن النادرة في أوكرانيا، مقابل التكيف مع المكاسب الروسية على الأرض، في خطوة تكشف أن الصراع لم يكن يومًا مجرد مواجهة عسكرية، بل معركة نفوذ بامتياز.
وسط هذه التغيرات، تدير مصر سياستها بوعي استراتيجي يضمن الحفاظ على أمنها القومي بعيدًا عن الانفعال والمزايدات، مدركة أن كل أزمة تحمل في طياتها فرصًا يجب استغلالها. التحديات في غزة تلقي بظلالها على المشهد الإقليمي، خاصة مع تعقيدات التهجير وصعوبة إعادة الإعمار، لكنها في الوقت نفسه تعزز من أهمية التحرك المصري المتوازن في مواجهة العواصف الدولية، حيث تسابق الدولة الزمن لعبور المرحلة بأقل الخسائر، دون أن تكون طرفًا مباشرًا في هذا الصراع الاقتصادي العالمي المحتدم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة