بيشوى رمزى

السلام العادل

الخميس، 20 فبراير 2025 11:09 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ارتبط مصطلح "السلام العادل"، بالقضية الفلسطينية، وتحديدا منذ التوافق الدولي على حل الدولتين، على اعتبار أن تأسيس دولة فلسطين، على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، يبقى هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

ارتبط مصطلح "السلام العادل"، بالقضية الفلسطينية، وتحديدا منذ التوافق الدولي على حل الدولتين، على اعتبار أن تأسيس دولة فلسطين، على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، يبقى هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وإنهاء حالة الصراع العربي الإسرائيلي، وهو الأمر الذي تسعى الدولة العبرية إلى التنصل منه، عبر دعوات مشبوهة، أبرزها تهجير سكان غزة والضفة، لتجريد الدولة المنشودة من أهم عناصرها، وهو مواطنيها، بالإضافة إلى مساعيها إلى الاستيلاء على المزيد من الأراضي، عبر بناء المستوطنات، وهو ما يمثل تهديدا صريحا لأمن المنطقة بأسرها، وهو ما بدت إرهاصاته إبان العدوان الأخير على غزة، والذي تمدد تباعا، من لبنان إلى اليمن، مرورا بسوريا، وحتى الصدام مع إيران، وإن لم يكن بالصورة المتوقعة.

إلا أن المصطلح التاريخي، بات مستخدما في الآونة الأخيرة، عند الحديث عن أوكرانيا، في إطار محاولات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إنهاء المعركة التي تخوضها موسكو في كييف منذ ثلاثة أعوام كاملة، في ظل ما ترتب عليها من تداعيات كبيرة، سواء على الاقتصاد العالمي، أو فيما يتعلق بالخسائر الناجمة عن الحرب نفسها، وهو ما يمثل انعكاسا صريحا لحالة التمدد التي تشهدها الصراعات الدولية في السنوات الأخيرة، والتي طالت دول المعسكر الغربي في أراضيها، بعدما كانت تنعم بقدر كبير من الأمان، جراء الاعتماد على المطلق على الناتو، ناهيك عن العديد من المعطيات الأخرى، وأبرزها التراجع الروسي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في أعقاب الحرب الباردة، وتعزيز الهيمنة الأحادية بقيادة واشنطن، والتي سيطرت بدورها خلال عقود ثلاثة، على وتيرة الصراعات الدولية صعودا وهبوطا، بل تحديدها في مناطق معينة بعيدة جغرافيا عن مناطق المعسكر الغربي.

وفي الواقع، يبدو الحديث الأوكراني عن ضرورة الوصول إلى "سلام عادل" مع روسيا، مرتبطا بمخاوف كبيرة، ترتبط بصورة مباشرة بمستقبل كييف، في ظل رؤى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي بدت إرهاصاتها منذ ولايته الأولى، عبر التقارب مع روسيا، باعتبارها مجرد منافس تاريخي للولايات المتحدة، على عرش النظام الدولي، في حين نقل الصين إلى مقعد الخصم المباشر لأمريكا، وهو الأمر الذي يثير ليس فقط قلق أوكرانيا، وإنما أيضا قلق الحلفاء في أوروبا الغربية، والتي لم تنجو هي الأخرى من أفكار الرئيس الأمريكي، والذي سعى على الملأ نحو تفكيك أوروبا الموحدة، وحرص على دعم التيارات اليمينية، بينما تطورت تلك الرؤى نحو تفكيك الدول، عبر ضم الأراضي للسيادة الأمريكية.

الرؤى الجديدة التي طل بها ترامب، في ولايته الثانية، تبدو مثيرة للجدل والخوف أيضا، خاصة في أوروبا، في إطار دعواته لضم أراض تابعة لدول أخرى بعيدة وقريبة جغرافيا من الولايات المتحدة، منها أراض في أوروبا نفسها، على غرار جزيرة جرينلاند، لتكون تحت سيادة بلاده، وهو ما يخالف مبدأ سيادة الدول ووحدة أراضيها، والمنصوص عليه في القانون الدولي، وهو ما يطرح تساؤلات حول مصير الأراضي التي سيطرت عليها روسيا خلال الحرب المستمرة منذ ثلاثة سنوات، حيث يبقى حديث الضم بمثابة "سنة" يمكن تعميمها، في إطار الصراعات الدولية التي تشهدها مناطق أخرى في العالم، وهو ما تراه أوكرانيا، وحلفائها في القارة العجوز مناهضا لمفهوم العدالة، الذي يرتبط بصورة مباشرة بالاستقرار ومن ثم السلام.

المواقف الأمريكية المقلقة، ربما كانت دافعا للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنيسكي لتقديم معادن بلاده النادرة، والتي سبق وأن تحدث عنها ترامب، كـ"قربان" لينال الحماية الأمريكية، في مرحلة الحرب الحالية، أو فيما بعد عندما تبدأ المفاوضات، في إطار صفقة ربما يجيدها الرئيس الأمريكي بحكم خبراته كرجل أعمال بارز، إلا أن التحدي الأبرز يتجلى في إمكانية قبول موسكو لفكرة التنازل عن الأراضي التي سبق وأن سيطرت عليها.

جانب آخر، ربما ينبغي الالتفات إليه، يتجسد في الدور الذي يمكن للقوى الأوروبية القيام به، في ضوء تجاهل تام لهم، من قبل واشنطن، أو حتى كييف التي مازالت تراهن على أمريكا ونفوذها، لترجيح كفتها، وهو ما يعكس الرغبة الملحة لدى الولايات المتحدة في ظل إدارتها الحالية لتهميش الحلفاء الغربيين، وهو ما يعكس رؤية الرئيس ترامب، والقائمة على فكرة أن استعادة الهيمنة المطلقة تنطلق من ترويض الحلفاء، وليس تركيع الخصوم، وهو ما يبدو في مزاحمة القوى الرئيسية في القارة العجوز في العديد من مناطق نفوذها، ليس فقط فيما يتعلق بأوكرانيا، وإنما أيضا في مناطق أخرى من العالم، ومنها الشرق الأوسط وهو ما ينذر بانهيار، أو على الأقل تراجع كبير فيما يسمى تاريخيا بـ"المعسكر الغربي".

المخاوف الأوروبية جراء احتمال دعم واشنطن لفكرة السلام مقابل القبول بالأمر الواقع، والمتجسد في الإبقاء على الأراضي الواقعة تحت سيطرة روسيا، أثناء الحرب، يمثل في ذاته سابقة مهمة في أوروبا، خاصة مع تصاعد النزعة التوسعية لدى ترامب، والتي تجاوزت حدود الأمريكيتين نحو أوروبا، والشرق الأوسط، وهو ما يبدو في مقترحه المثير للجدل حول قطاع غزة.

ولعل الحقيقة الدامغة التي تبقى أوروبا في حاجة إلى إدراكها، في لحظة فارقة، ربما تتعرض فيها سيادتها إلى مخاطر داهمة، مع تصاعد النزعة التوسعية التي تطال دولها، تتجلى في ضرورة خلق "سابقة" من شأنها تعزيز فكرة "السلام العادل" التي ترنو إليه القارة العجوز، في إطار القضية التي ارتبط اسمها بالمصطلح، وهي القضية الفلسطينية، والتي تحتفظ بمركزيتها في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي يمكن من خلالها استعادة قدر من النفوذ، يمكن من خلاله تعزيز الموقف القاري في مواجهة التحديات التي قد تفرض عليها في قادم الأيام.

وهنا يمكننا القول بأن استخدام مصطلح "السلام العادل" خارج نطاق الشرق الأوسط، يمثل انعكاسا صريحا لطبيعة التحديات التي باتت تطال الجميع، وأنه في الوقت الذي ربما تبحث فيه واشنطن عن سابقة من شأنها شرعنة رؤى ترامب الجديدة، ينبغي أن يكون هناك بحثا مضادا من قبل أوروبا، عن سابقة من شأنها تقديم حماية سياسية ودبلوماسية لدولها، في مواجهة تلك الرؤى.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة