الإبداع المصرى يواصل طريقه نحو العالمية.. معرض ديارنا لوزارة التضامن منصة للحرفيين تجمع بين التراث والحداثة.. عمرو يحول الأثاث للوحات فنية.. إيناس تبدع فى الإكسسوارات المطلية بالذهب.. ومنار تنسج بخيوط الكروشيه

من قلب الفنون التراثية اليدوية المصرية، يواصل معرض وزارة التضامن الاجتماعى "ديارنا" للأسر المنتجة بالقاهرة، إلقاء الضوء على المواهب الحرفية الفريدة، التى تجمع بين الإبداع اليدوى والتصميمات العصرية، مقدمًا منصة رائدة للحرفيين لاستعراض أعمالهم أمام الجمهور المحلى والدولى، إذ يشكل المعرض فرصة ذهبية لتعزيز انتشار الحرف التراثية.

والتقى "اليوم السابع" عددًا من العارضين بالمعرض، راصدًا أعمالهم اليدوية الفنية، وذلك خلال افتتاحه الخميس الماضى الموافق 13 فبراير، والذى يستمر حتى 28 فبراير 2025.

فى هذا السياق، برزت أسماء عديدة لمبدعين "ديارنا" لهذا العام، مثل الفنان عمرو سعيد، الذى أبدع فى الرسم اليدوى على الأثاث، والمُصممة إيناس أشرف، التى استطاعت أن تطور مجال الإكسسوارات اليدوية بمزيج من النحاس المطلى بالذهب، والحرفى عمرو إمبابى،أحد أبرز صانعى الفوانيس الرمضانية والنجف العربى، الذى يسعى للحفاظ على التراث الإسلامى، بالإضافة إلى ذلك، تألقت منار أسامة بإبداعاتها فى فن الكروشيه والمكرمية.

فن الرسم على الخشب

شارك الفنان عمرو سعيد فى معرض "ديارنا"، مقدمًا إبداعاته المميزة في الرسم على الخشب، إذ يجمع بين الفن التشكيلي والحرف اليدوية ليحول قطع الأثاث إلى لوحات فنية تنبض بالحياة.

بدأ عمرو مسيرته الفنية منذ أكثر من 20 سنة، حيث عمل فى فن "الترمبلوى"، وهو أسلوب رسم قديم يعتمد على الخداع البصرى، لإضفاء عمق وواقعية على الحوائط والأسقف.

الرسم على الخشب

ومع مرور الوقت، قرر عمرو تطوير مهاراته وإدخالها إلى مجال الأثاث، فأطلق علامته التجارية الخاصة عام 2017م، التى تعتمد على الرسم اليدوى على الكراسى، الطاولات، والمرايا، وغيرها من القطع الخشبية، ليضيف لمسة فنية مبتكرة إلى الديكور المنزلى.

فن الرسم على الخشب

أكد عمرو بأن الفن ليس مجرد زينة، بل هو وسيلة تعبير تحمل طاقة إيجابية، وهو ما يسعى إلى تحقيقه من خلال تصميماته، حيث يستوحى أفكاره من المدارس الفنية المختلفة، وينفذها باستخدام الألوان الزاهية والتكوينات المبهجة التى تضفى أجواءً نابضة بالحياة على المكان: "البطل الحقيقى فى عملى هو الرسم، فهو العنصر الأساسى الذى يميز كل قطعة، وعندما تأتى الفكرة إلى ذهنى، أبدأ بتنفيذها على الخشب بعد تحضيره فى ورش النجارة، ثم أرسم عليها التصميم النهائى ليصبح العمل جاهزًا للعرض".

ويستضيف المعرض أكثر من 400 عارض وعارضة يعرضون منتجاتهم اليدوية التى تتناول قصص التراث المصرى، كما تحل سيناء "أرض الفيروز" ضيف شرف المعرض فى نسخته الجديدة؛ حيث سيعرض مختلف المنتجات السيناوية التراثية، فضلا عن المنتجات التراثية واليدوية الأخرى من الأرابيسك ومشغولات النحاس والزجاج، بجانب المنتجات المتعلقة بشهر رمضان المعظم مثل ديكورات المنزل والأزياء والإكسسوارات، وكل ما تحتاج إليه الأسرة والمنزل استعدادا لاستقبال الشهر الفضيل.

وأكدت الدكتورة مايا مرسى، وزيرة التضامن الاجتماعى، أن الأسر المنتجة وأصحاب الحرف من خلال مشروعات عديدة سواء من الوزارة أو المجلس القومى للمرأة أو جهاز مشروعات مصر ومؤسسات المجتمع المدنى يشاركون فى المعرض، مشيرة إلى أن مشروع الأسر المنتجة مشروع اجتماعى يستهدف تنمية الموارد الاقتصادية للأسرة عن طريق استغلال طاقات وقدرات أفرادها باستغلال الصناعات البيئية والمنزلية وتحسين أوضاعهم بأساليب الرعاية والتوجيه لمواجهة متغيرات الظروف الاقتصادية والاجتماعية.

لا يقتصر فن عمرو على نوع واحد من الأثاث، بل يمتد ليشمل كراسى، طاولات، تابلوهات، براويز المرايات، وأركان القهوة، وحتى تصاميم لسُفرة متكاملة: "أى قطعة أثاث قابلة للرسم والتصميم، يمكننى تحولها إلى عمل فنى، سواء كانت كلاسيكية بألوان هادئة أو مبهجة بدرجات زاهية، فهدفى هو تلبية جميع الأذواق، حتى لو لم تكن بعض التصاميم تناسب ذوقى الشخصى، فهى تعكس اختيارات الآخرين ورغباتهم".

منذ أول دورة للمعرض، يحرص عمرو على المشاركة، مؤكدًا أن المعرض يساعده فى الوصول إلى العملاء بشكل مباشر، خاصة أن الكثيرين يفضلون رؤية الأعمال على الطبيعة بدلًا من الشراء عبر الإنترنت: "المعارض تمنحنا فرصة لعرض أعمالنا بشكل حقيقى، حيث يتفاعل الزوار مع القطع الفنية، ويتأكدون من جودتها، مما يعزز الثقة بيننا وبين العملاء".

تابلوهات

مشاركة عمرو سعيد فى معرض "ديارنا" لوزارة التضامن تعكس كيف يمكن للحرف اليدوية أن تندمج مع الفن التشكيلى لتقديم منتجات تحمل لمسات تراثية بروح عصرية، بين الألوان الزاهية، والخطوط المتقنة، والتصميمات المبتكرة.

المُصممة إيناس أشرف

الإكسسوارات اليدوية

شاركت المُصممة إيناس أشرف فى معرض "ديارنا" لوزارة التضامن بإبداعاتها المميزة فى مجال الإكسسوارات اليدوية، حيث استطاعت تحويل شغفها بالتصميم إلى مشروع ناجح يحمل بصمتها الخاصة، بدأت رحلتها أثناء دراستها الجامعية، حينما كانت تبحث عن تصاميم فريدة، لكنها واجهت صعوبات فى الشراء عبر الإنترنت، فقررت النزول إلى ورش الحسين لاكتشاف هذا العالم عن قرب. ومع الوقت، بدأت فى تنفيذ قطعها الخاصة، لتتحول إلى محترفة تمتلك ورشتها الخاصة وتُصدر منتجاتها إلى دول العالم.

لم تكتفِ إيناس بتصميم الإكسسوارات التقليدية، بل سعت لتقديم قطع مميزة تحمل طابعها الخاص، إذ بدأت بموديلات بسيطة، لكنها سرعان ما طورت منتجاتها باستخدام النحاس المطلى بالذهب وأحجار العقيق والصدف الطبيعى، لتضمن جودة تدوم طويلًا دون أن يتغير لونها: "كنت أريد تقديم تصميمات لا تتأثر بمرور الوقت، لذلك اخترت خامات عالية الجودة، وأصبح اللوجو الخاص بى علامة مميزة على كل قطعة أصممها".

تمر كل قطعة بتفاصيل دقيقة قبل أن تصل إلى يد العملاء، حيث تبدأ برسم التصميم، ثم تنفيذه فى الورشة، ليتم تقطيعه وصقله يدويًا، وبعدها يُرسل للصاغة لطلائه بالذهب أو الفضة: "العمل اليدوى يتطلب دقة كبيرة، لذلك لدى فريق صغير من الحرفيين الذين يساعدوننى، فالإتقان فى هذه الحرفة ليس سهلًا".

كوليهات مطلية بالذهب

لم يكن مشوار إيناس سهلًا، خاصة مع مسؤوليات الأسرة والأطفال، حيث اضطرت للتوقف لفترة بعد الزواج، لكنها عادت بقوة بعد ذلك: "كان من الصعب التوفيق بين عملى وبيتى، خاصة أن بعض الخامات صغيرة وخطرة على الأطفال، لكن بعد أن صنعت اسمى فى المجال، لم أكن أريد أن أفقده، فاستمريت رغم التحديات".

خواتم مطلية بالذهب والنحاس

تحرص إيناس على تقديم تشكيلات متنوعة تناسب جميع الفئات، من التصاميم الكلاسيكية إلى القطع العصرية بألوان المينا، التي يمكنها دخول الفرن، هذا بالإضافة إلى تقديم قطعًا مميزة للرجال، مما يوسع نطاق جمهورها. وعن الأسعار: "الأسعار تتفاوت حسب التصميم والخامات، حيث تبدأ الحلقان من 850 إلى 1100 جنيه، والخواتم من 450 إلى 600 جنيه، بينما تتراوح أسعار الكوليهات بين 950 حتى 3500 جنيه، وكلها مطلية بالذهب عيار 18 لضمان الجودة".

كوليهات

شاركت إيناس فى معرض "ديارنا" التابع لوزارة التضامن الاجتماعى بالقاهرة من خلال التقديم عبر الاستمارة الخاصة بوزارة التضامن الاجتماعى، حيث تمر المنتجات بمرحلة تقييم لضمان أنها صناعة مصرية 100%، وأنها منفذة يدويًا بالكامل، مؤكدة على أهمية المشاركة فى المعرض: "المعرض يوفر دعاية ضخمة ويجذب زبائن متنوعين، كما أن العمل تحت مظلة الدولة يرفع من قيمة العلامة التجارية، ويعزز ثقة العملاء فى المنتج".

منتجات مطلية بالنحاس والذهب

رحلة إيناس أشرف فى مجال الإكسسوارات اليدوية تعكس كيف يمكن للشغف أن يتحول إلى نجاح، وكيف يستطيع الإبداع المصرى أن يواكب التطور ويصل إلى العالمية، مع الحفاظ على هويته وتراثه الأصيل.

عمرو إمبابي

الفوانيس والنجف اليدوي

مع اقتراب الشهر الكريم، لا يخلو المشهد فى معرض ديارنا من الفوانيس الرمضانية، ففى قلب منطقة الجمالية، التى تتجلى فى شوارعها الحرف اليدوية الأصيلة، وُلد عمرو إمبابى وسط أجواء فنية تحمل عبق التاريخ والتراث الإسلامى والعربي. منذ صغره، انجذب إلى عالم الحرف اليدوية، فقرر مع شقيقه تأسيس ورشة صغيرة لتشكيل النحاس والمعادن، التى أصبحت اليوم واحدة من الورش التى تحافظ على هذه الصناعة التقليدية، وتسعى لإحيائها فى زمن باتت فيه هذه المهن مهددة بالاندثار.

بينما تندثر العديد من الحرف اليدوية التقليدية، يبذل عمرو إمبابى وفريقه جهودًا للحفاظ على صناعة تشكيل المعادن بالطريقة اليدوية القديمة: "نحن لا نريد لهذه المهنة أن تختفى، لذلك نقوم بتدريب الشباب وتعليمهم أسرارها، كما أننا نعمل بأنفسنا فى كل خطوة، لأن هذا الشغف والحب للتراث العربى والإسلامي".

مع حلول شهر رمضان، لا تخلو الورشة من تصنيع الفوانيس الرمضانية بأشكالها، إلى جانب النجف العربى والإسلامى، ووحدات الإضاءة المصنوعة من النحاس والمعادن المختلفة، تعتمد عملية التصنيع على مهارة الحرفى، حيث تبدأ بتقطيع ألواح النحاس أو الصاج يدويًا وتفريغها بـ "الأركت"، لتأخذ شكلها الفنى، وبعد ذلك يتم تجميع الأجزاء باستخدام لحام "الأزير"، ليخرج المنتج فى النهاية كتحفة فنية".

النجف و الديكور المعدني

تُعد المعارض فرصة ذهبية لعرض المنتجات اليدوية أمام الجمهور، وتعزيز التواصل بين الحرفيين والعملاء، وعن مشاركة عمرو في معرض "ديارنا": "المعرض ليس فقط مجرد وسيلة للبيع، بل هو فرصة لرؤية رد فعل الجمهور مباشرة، فإعجاب الناس بأعمالنا يمنحنا دافعًا للاستمرار والتطوير".

تشكيل المعادن

في زمن يسيطر فيه الإنتاج الآلى، يبقى عمرو إمبابى وأمثاله من الحرفيين حراسًا للتراث، ينقلون بأيديهم حكايات الأجداد من جيل إلى آخر، ويحافظون على بريق الفوانيس الرمضانية التى لا تزال تضيء شوارع القاهرة كل عام، لتظل رمزًا أصيلًا لروح الشهر الكريم.

منار أسامة

فن الكروشيه والمكرمية

كما شاركت أيضًا منار أسامة فى معرض "ديارنا" بإبداعاتها فى فن الكروشيه والمكرمية، بدأت منار رحلتها مع الحرفة بصنع قطع بسيطة، ثم طورت مهاراتها تدريجيًا حتى أصبحت منتجاتها تحمل لمسات فنية دقيقة تحتاج إلى وقت وجهد لإتمامها، إذ قد تستغرق قطعة صغيرة يومًا أو يومين، بينما تستغرق الملابس والمفارش الكبيرة وقتًا أطول حسب التصميم والتفاصيل المستخدمة.

تعمل منار على تنفيذ مختلف الطلبات حسب احتياجات العملاء، فتنتج خداديات، مشايات، كافرات مناديل، وستائر، مستخدمةً الكروشيه بإبر ذات مقاسات متنوعة، والمكرمية التى تعتمد بالكامل على الحياكة اليدوية بدون إبر: "كل قطعة لها باترون معين وتحتاج إلى دقة فى التنفيذ، لذلك أعمل مع فريق من الفتيات اللواتى يساعدننى فى صناعة كل تفصيلة بحب وإتقان."

إلى جانب مشغولات الكروشيه والمكرمية، تعمل منار على تنفيذ قطع خشبية بتقنية الديكوباج، حيث تستخدم دهانات خاصة، وملصقات، وأوراق زخرفية لإضافة طابع مميز على المنتجات: "كل قطعة خشبية جاهزة أبدع فيها بطريقتى، أضيف إليها عناصر من المكرمية أو الكروشيه، وأحيانا أدمج الطباعة والتزيين، لخروج المنتج بأفضل شكل".

ملابس بالكروشية

ترى منار، أن سر نجاح أى حرفة يدوية هو حبها الحقيقى لها، وهو ما اكتسبته من والدتها وجدتها وخالتها اللواتى كن يعملن فى هذه المشغولات منذ صغرهن: "لأننى أحب هذه المهنة، فإن كل قطعة أصنعها تحمل لمسة خاصة وتظهر بشكل مميز فى النهاية، وهذا ما يجعل الناس يقدرونها".

منسوجات يدوية

وعن مشاركتها فى "ديارنا"، أوضحت منار أن التقديم يتم من خلال استمارة رسمية، حيث يختار المشاركون المساحة المناسبة لعرض منتجاتهم، مؤكدة أن المعارض مثل "ديارنا" تمنح الحرفيين فرصة رائعة للوصول إلى جمهور أوسع، وتسليط الضوء على الحرف التراثية التى تحمل قيمة فنية وثقافية كبيرة.

مع اقتراب شهر رمضان، تعمل منار على إنتاج قطع مستوحاة من أجواء الشهر الكريم، إذ تضيف لمسات من الكروشيه والمكرمية على الديكورات الرمضانية، مما يمنحها طابعًا فريدًا يجمع بين الأصالة والحداثة.

تجسد أعمال منار أسامة كيف يمكن للحرف اليدوية أن تستمر عبر الأجيال، من خلال تطويرها بأساليب حديثة تلائم الأذواق العصرية، مع الحفاظ على قيمتها التراثية، لتبقى هذه الفنون حاضرة فى المنازل المصرية والعربية بأصالتها وجمالها.

فى النهاية، يأتى معرض "ديارنا" ليؤكد أن الحرف اليدوية المصرية لا تزال تحظى بمكانة متميزة، وأنها قادرة على التطور والمنافسة عالميًا، مع الاحتفاظ بجذورها الأصيلة، ومن خلال هذه المنصة، يواصل الحرفيون تقديم أعمال فنية فريدة، تسهم فى إحياء التراث المصرى، ونقله إلى الأجيال القادمة بروح متجددة، تجمع بين الأصالة والابتكار.