قد يكون من حسن الحظ أن تصريحات الرئيس الأمريكى ومخططاته لحرب التهجير، ليست المعركة الوحيدة التى يخوضها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فهو يشن هجوما على كندا وعدد من الدول التى تمثل بشكل عام حلفاء للولايات المتحدة.
من الظاهر أن ما يفعله الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، يقع فى الداخل والخارج، بل إن هذه المعارك تكشف عن غياب المشروعية أو القرارات الواضحة، وكثرة المخططات تجعل هناك إمكانية للتعامل مع هذه التصرفات، باعتبار أن ترامب يصعد فقط فيما يتعلق بالقضية الفسطينية ومزاعم التهجير أو طرح مشروعات خيالية لا تضع فى اعتبارها حجم الدمار فى غزة مثلا، بينما هو يتحدث عن «ريفيرا» ومشروعات استثمارية وسياحية .
الرئيس ترامب مثلا قرر - من طرف واحد - تغيير اسم خليج المكسيك إلى «خليج أمريكا»، ووقع الأمر وهو فى الطائرة وهنا يكشف عن طريقة فى الإدارة تخالف الكثير من القواعد والمثل، ولهذا فقد قالت رئيسة المكسيك كلوديا شينباوم، إن حكومتها لن تستبعد رفع دعوى ضد شركة «جوجل» إذا أبقت على موقفها المتمثل فى تسمية المنطقة التى تنتمى إلى الجرف القارى المكسيكى، خليج المكسيك، بخليج أمريكا، وحسب ما نشرته صحيفة الإسبيكتاتور المكسيكية أعلنت رئيسة المكسيك رفض قرار «جوجل» بتغيير اسم خليج المكسيك، الموجود منذ 1907 كما أمر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وأضافت أن مرسوم الرئيس يقتصر على «الجرف القارى للولايات المتحدة».
وعلى سبيل المثال حسب ما أعلنه ترامب أول فبراير فقد قرر إقالة عناصر فى مكتب التحقيقات الفيدرالى «إف بى آى» شاركوا فى التحقيقات حول الاعتداء على مبنى الكابيتول الذى شنه أنصار ترامب فى 6 يناير 2021، وذلك بهدف فصلهم، ويجرى الآن تقييم وضع عشرات من عناصر الشرطة الفيدرالية الذين انخرطوا فى التحقيقات، وذكرت شبكة «إن بى سى نيوز» أن أكثر من 20 من رؤساء مكاتب «إف بى آى»، بمن فى ذلك أولئك الموجودون فى ميامى وواشنطن، مهددون بهذا الإجراء، كما أن وزارة العدل فصلت العديد من المسؤولين الذين لعبوا دورا فى مقاضاة ترامب، الذى يخوض حربا أخرى مع الإدارة والأجهزة والمؤسسات، ربما على رأسها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية usAid، التى أعلن وزير الخارجية ماركو روبيرتو ضم الوكالة إلى إدارته وتعيينه مسؤولا عنها، لأنها حسب وصفه «تتمرد على الرئيس».
كما يشن حربا على وزارة التعليم التى يرى أنها فاشلة وأنه لا يرضى على ترتيب التعليم الأمريكى وسط وزارات التعليم فى العالم، وبالتالى فإن ترامب يشن حروبا فى كل الاتجاهات، ومنها ما يصطدم بالمؤسسات الكبرى التى تمثل قوة الولايات المتحدة، بينما يستهين بها الرئيس، ولهذا يواجه غضبا وسخرية ومعارضة.
وحتى فيما ما يتعلق بخطط التهجير هناك رفض لها من داخل الولايات المتحدة، وهو أمر ظهر فى الصحافة الأمريكية والغربية، والتى اعتبرت الدعوة لتهجير الفلسطينيين - فى حد ذاتها - جريمة تصفية عرقية، كما أعرب العشرات من نواب الكونجرس الأمريكى عن رفضهم لخطة الرئيس ترامب بشأن غزة، وكتب 145 نائبا خطابا موجها إلى ترامب يحثونه فيه على التراجع عن تصريحاته.
وأكد الموقعون على الخطاب على ضرورة أن تلعب الولايات المتحدة أكثر من أى وقت سابق دورا بناءً فى حل الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، وهو ما جعلهم يشعرون بالقلق من أن رئيسا أمريكيا يدعو إلى إخراج قسرى وتهجير دائم لمليونى شخص، وحذر الخطاب من أن مثل هذا الإجراء لن يمكن الدفاع عنه أخلاقيا، وسيمثل انتهاكا لاتفاقية جنيف، ويعرض للخطر المصالح والقوات الأمريكيىة، ويقوض موقف الولايات المتحدة العالمى، وأشار الخطاب إلى أن مجرد الاقتراح بضرورة أن يوجِه للقوات الأمريكية أمرا لتنفيذ مثل هذه الجريمة فى منطقة حرب مشتعلة «خطير ومتهور»، وحتى محاولة الإخراج القسرى لمليونى شخص ستؤدى إلى عدد غير معلوم من الخسائر بين الأمريكيين، وزيادة هائلة فى الإرهاب حول العالم.
وحذر النواب ترامب من أن تصريحاته تعرض للخطر فرصة أمريكا فى العمل مع شركائها بالحرب، والذين أكدوا التزامهم بالسلام الإقليمى الشامل بناء على إعادة إعمار غزة، والتوصل إلى حل الدولتين، ودعوا ترامب للسعى مع شركاء السلام للحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار وإيجاد حل سلمى للصراع من خلال خطة واقعية تجعل غزة قابلة للحياة.
وبالتالى هناك تيار واسع يرفض دعاوى التهجير ويعتبرها جريمة، وهناك سخرية وأوصاف متعددة استعملتها الصحف والكتاب، فيما يتعلق بتوجهات فى بعض الأحيان خارج سياق العقل ، وتضع الولايات المتحدة فى واجهة الصدام مع العالم كله.
ربما لهذا يعلن مراقبون عن توقعاتهم بأن تفقد توجهات الرئيس ترامب تأثيرها من كثرة ما تعكسه من استحالة التنفيذ، بجانب أنها تشير إلى توجه لتجاهل القانون أو التعامل باستهانة مع وقائع تستحق الالتفات إليها، بجانب أن العرب بالفعل لديهم أوراق قوية للتعامل مع مخططات التهجير، بجانب أن التوازنات الدولية والإقليمية تختلف عما كان قبل 4 سنوات، ويمكنهم التعامل مع المناورات.
وبالفعل فقد كانت التحركات المصرية الحاسمة تتعامل مع هذه المخططات، بجانب دعوتها للقمة العربية، وتحركات مع أطراف إقليمية ودولية يمكنها التعامل فى مواجهة دعاوى التهجير، والتعامل مع اندفاعات من شأنها أن تهدد الاستقرار وهو ما طرحه النواب بالكونجرس الذين وقعوا المذكرة وطالبوا بالتراجع عن خطة التهجير التى تهدد مصالح الولايات المتحدة بل وتمثل تهديدا للسلم الإقليمى والدولى، ولعل هذا كله يضاعف من مسؤولية الأطراف المختلفة فى الفصائل الفسطينية، بالاستجابة لدعاوى ومحاولات مصر لتوحيد الفصائل، حتى يمكن الاستفادة من الزخم الحادث الذى تفرضه التطورات التى تجرى وإمكانية الاستفادة من الأزمة لتتحول إلى مكسب.

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة