تأسرني تلك العبارة للشاعر محمود درويش حين قال: "وغزة لا تبيع البرتقال لأنه دمها المعلب"، حين أشار إلى أن أرض غزة التي رويت بدماء أبنائها منذورة للثمر، والبرتقال الأحمر الذي يحمل تلك التضحيات عبر الأجيال.
ومحمود درويش الذي يعد في مقامه الأول شاعر القضية الفلسطينية، وصوت الأرض فيها، يعرف كيف يعبر حتى بعد موته عن موقف تلك الأرض من كل محتل، لكنه في الوقت نفسه يشير إلى أن غزة على الرغم مما تعانيه وتقدمه من تضحيات هي أرض طامحة للحياة والإثمار.
ألح على خاطري ذلك التعبير حين قرأت تلك العبارة التي صرحت بها مصر حين عبرت عن مشروعات إعمار غزة في وجود أهلها على أرضها، تأكيدا على أن غزة هي مكان لحياة أبنائها، وأرض خلقت للإثمار على عكس ما يريدها راعي البقر، الذي يود لو مسح تاريخ جرائمه ضد الهنود الحمر بجرائم أخرى يسجلها التاريخ ضد الفلسطينيين.
لكن الرد المصري في بياناته وتصريحاته كان واضحا، من خلال التمسك بثوابت القضية الفلسطينية، ليكون أبلغ رد على ادعاءات البعض بتغيير العقيدة المصرية تجاه قضية القضايا، وهي الرسالة التي تم توصيلها ببلاغة هادئة، وموقف قوي ثابت، مع التعبير عن تلك الثوابت في حق العودة، وخطوط الرابع من يونيو، واستقلال الدولة الفلسطينية، وعاصمتها القدس (الشريف).
لم تكن البيانات المصرية مجرد رد على موقف أمريكي، لكنها كانت كذلك تأكيدا لثبات الموقف المصري، بل تحركه نحو الفعل على الأرض، باعتبار القضية الفلسطينية جزءا من الأمن القومي المصري، وقد دفعت مصر على مدار تاريخها زهرة شبابها وأبنائها، وهي لن تسمح بتعدي تلك الخطوط الحمراء التي رسمتها على مدار تاريخها، فصارت ثابتا قوميا تعمل على دعمه بالبناء وليس الحرب.
وإذا كان محمود درويش قد عبر عن غزة في تلك العبارة تعبيره الواضح، فإن الموقف الأمريكي يذكرنا بتلك القصيدة التي كتبها شاعرنا المصري الكبير عبد الرحمن الشرقاوي: "من أب مصري إلى الرئيس ترومان" في عام 1953 تنديدا بأنه كان الآمر بإسقاط أول قنبلة نووية في التاريخ، وربما نستعيد اليوم تلك القصيدة على الرغم من مرور الزمن لنقرأ فيها تلك الرسالة المطولة، التي ربما تتكرر الضرورة إليها الآن، مع تبديل اسم الرئيس الأمريكي من ترومان إلى ترامب، وهي الرسالة التي تذكر بأن السلام هو الذي سيبقى، وأن التاريخ، وإن غفل أحيانا عن ذكر دعاة الحروب وجرائمهم، فإنه سيعود لتذكرهم مرة أخرى، وليس هذا فقط موقف الشعراء لكن الاصطفاف الواضح وراء الدولة المصرية في موقفها هذا من كافة الأطياف السياسية الوطنية المصرية يجعل من هذا الموقف تعبيرا تاريخيا عن الدور المصري الذي لن ينتهي أو يضعف.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة