قال المولى عز وجل فى محكم تنزيله: «سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون» الآية 35 من سورة القصص.
المعنى الواضح الجلى فى «سنشد عضدك بأخيك» أى سنقوى أمرك ونعز جانبك بأخيك، والتأكيد على الأهمية الجوهرية لمساندة ودعم الأشقاء بعضهم لبعض، فى الأزمات والمحن، ومن الباب الواسع للمثل الشهير «لا يحك جلدك إلا ظفرك». والشىء بالشىء يذكر فإن أهمية توحيد الصف العربى وإعلاء شأن المصلحة العليا للأمة، صار فقه الضرورة، فإذا ألقينا النظر على الخريطة الجغرافية فى قارات الدنيا السبع، أفريقيا، وآسيا، وأوروبا، وأمريكا الشمالية، وأمريكا الجنوبية، وأستراليا، والقارة القطبية الجنوبية - وفقا للتعديلات الجغرافية الحديثة - وأمعنا النظر أكثر على الدول فى هذه القارات، لن تجد أوضاعا متفجرة، ونيرانا مشتعلة سوى فى الأوطان العربية!
ولا نحتاج للتدليل على المناطق المشتعلة فى الوطن العربى، وأن الأمن القومى بمفهومه الشامل على المحك، فى ظل تهديدات حقيقية من أعداء يبحثون عن اغتصاب مقدرات الدول، وصارت حدود الدول مستباحة، وأن طلب اقتطاع أجزاء من الأراضى أمر يسير وعادى، وبجرة قلم، وما يحدث فى غزة والتهديدات الصريحة الواضحة العلنية لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتانياهو، وإظهار النوايا الحقيقية بدافع غرور الانتصار على «ميليشيات مسلحة» ودعم أمريكى غير محدود، يتطلب ضرورة توحيد الصف العربى، ونبذ الخلافات والفرقة التى جلبت نكسات للأمة، وتجرأ الصغير قبل الكبير وزاد من أطماعه فى ثرواتهم، وكأن مقدراتهم غنيمة مستباحة.
وفى ظل هذه التهديدات الخطيرة، فإن مصر تستضيف قمة عربية طارئة يوم 27 فبراير الجارى بالقاهرة، وذلك بعد التنسيق مع مملكة البحرين، الرئيس الحالى للقمة العربية، والأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وكذلك بعد التشاور والتنسيق من جانب مصر وعلى أعلى المستويات مع الدول العربية الشقيقة خلال الأيام الأخيرة، بما فى ذلك دولة فلسطين التى طلبت عقد القمة، وذلك لتناول التطورات المستجدة والخطيرة للقضية الفلسطينية.
ولا ننسى الدبلوماسية الخشنة التى انتهجتها مصر حيال مخطط غزة، ومطامع إسرائيل، وأظهرت غضبة سياسية قوية، واستخرجت من مخزون «اللاءات الشهيرة» لتعلن لا لتصفية القضية الفلسطينية، ولا لمشروع غزة، ولا لتهديد المملكة العربية السعودية، وأعادت رسم الخطوط الحمراء.
الدولة المصرية، خطواتها محسوبة ودقيقة، ترتكز على مقوماتها الشاملة، وقدراتها وتأثيرها السياسى والعسكرى، ومن قبلهما، الإرث الحضارى الضخم. بجانب إدراك حقيقى بأن الأمن القومى العربى، جزء لا يتجزأ من الأمن القومى المصرى، والإيمان المطلق، بإعلاء فضيلة الشرف والاحترام والتقدير، لتغلف سياستها ومواثيقها ووعودها.
المخاطر الجسيمة تقتضى ضرورة أن يجد العرب لهم مكانا قويا وفاعلا فى معادلة القوة والردع، من خلال التكتل والتكامل، وإعلاء المصالح، إذا ما وضعنا فى الاعتبار القدرات والإمكانيات الكبيرة التى يمتلكها العرب بشكل عام، والدول ذات الثقل مثل مصر والسعودية والإمارات والكويت وقطر وغيرها من الدول العربية المحورية، ما يمكنها أن تجد موضع قدم فى الخريطة العالمية الجديدة التى تتشكل الآن، وتتمكن من الحفاظ على مقدراتها وردع المخاطر.
يوم 27 فبرارير الجارى، يوم التحدى والآمال والطموح للشارع العربى، فى أن يقع على مسامعه اتخاذ مواقف وقرارات عربية صارمة واضحة، لمجابهة المخاطر، ورفع راية توحيد الصف بإيمان مطلق، وإدراك حقيقى أن الفرقة كانت نكباتها كبيرة، وأن ما يجمع بين العرب الكثير، وما يفرق هو القليل للغاية، فيمكن استثمار الكثير، ونبذ القليل الذى لا يذكر، ويتخذون قرارات يدونها التاريخ فى سجلاته بأحرف من نور، وتتذكر الأجيال المقبلة، جيلا بعد جيل، الموقف العربى الموحد لإنقاذ القضية الفلسطينية من التصفية، وإيقاف المخاطر الجسيمة، ووضع حد للمطامع والابتزاز.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة