علا الشافعى تكتب: منتدى الدوحة 2025.. حُلم بعالم أكثر عدالة.. شعار المنتدى لهذا العام «ترسيخ العدالة من الوعود الى الواقع الملموس»

الأحد، 07 ديسمبر 2025 10:23 ص
علا الشافعى تكتب: منتدى الدوحة 2025.. حُلم بعالم أكثر عدالة.. شعار المنتدى لهذا العام «ترسيخ العدالة من الوعود الى الواقع الملموس» علا الشافعى رئيس مجلس إدارة اليوم السابع

يأتى «منتدى الدوحة 2025» فى سياق دولى معقد وانهيار متسارع فى منظومة القواعد التى حكمت العلاقات الدولية منذ نهاية الحرب الباردة، توترات سياسية واقتصادية وتفاقم الأزمات الإنسانية وتراجع فاعلية القانون الدولى جميعها تشكل مشهدا عالميا فقدت فيه المؤسسات القدرة على ضبط التفاعلات، بينما يتزايد حضور القوة على حساب العدالة، وفى مثل هذا المناخ يفرد منتدى الدوحة، مساحات أساسية ليست للعرض السياسى فقط، بل لإعادة التفكير فى كيفية استعادة التوازن المفقود فى العالم.

شعار المنتدى لهذا العام، «ترسيخ العدالة من الوعود الى الواقع الملموس»، يعكس إدراكا بأن أزمة العدالة لم تعد قضية قيمية فقط، بل باتت مسألة تتعلق بسلامة النظام الدولى وقدرته على البقاء. فالهوة بين المبادئ المكتوبة والواقع الميدانى اتسعت بصورة غير مسبوقة، خصوصا مع ما شهدته غزة من انتهاكات صارخة للقانون الدولي، وما يجرى فى السودان واليمن من صراعات بلا محاسبة. هذه الوقائع لم تضعف فقط ثقة الشعوب فى المؤسسات، بل هزت أيضا ثقة الدول ذاتها فى قواعد النظام الدولى.

من هذا المنطلق، أكدت المدير العام لمنتدى الدوحة، مها الكوارى، أن نسخة هذا العام تركز على ثلاثة محاور أساسية: السياسات، والدبلوماسية، والتنمية الإنسانية، بهدف الانتقال من مرحلة التشخيص إلى مرحلة البحث عن حلول قابلة للتنفيذ، وتوضح أن العالم يواجه ضغوطا سياسية ومجتمعية وتغيرات تقنية عميقة، الأمر الذى يتطلب من المنتدى أن يقدم مساحة تتسم بالحياد والمصداقية لبحث القضايا الملحة وتعزيز التعاون الدولى، بما يجعل العدالة والاستقرار جزءا من عملية صنع القرار لا مجرد شعارات.

هذا التوجه يعكس تحولا مهما فى فلسفة المنتديات الدولية، إذ لم تعد وظيفتها إنتاج توصيات عامة، بل محاولة بلورة مسارات عملية لإدارة التحديات، وفى هذا الإطار يناقش المنتدى مستقبل العلاقات الدولية فى ظل التنافس الأمريكى الصينى، والتحولات الجارية فى الشرق الأوسط، والأزمات الممتدة فى مناطق النزاع، إضافة إلى تأثير الاضطرابات الاقتصادية وسلاسل الإمداد، وهى قضايا لا يمكن فهمها بمعزل عن أزمة العدالة التى تمر بها المنظومة الدولية.

الجانب التكنولوجى يمثل بدوره أحد أهم محركات التحول، إذ يتنامى تأثير الذكاء الاصطناعى فى سوق العمل والاقتصاد والإعلام والأمن السيبرانى، ما يطرح ضرورة إعادة التفكير فى الضوابط الدولية لهذه التكنولوجيا، فالعالم يقف على عتبة تحديات تقنية قد تعمق فجوات عدم المساواة إذا لم تتم إدارتها بسياسات عادلة تضمن مشاركة الجميع فى الاستفادة من التقنيات الجديدة، كما أن تأثير المنصات الرقمية فى تشكيل الرأى العام يضيف بعدا استراتيجيا جديدا يعيد تعريف موازين القوة داخل الدول وبينها.

لكن التحدى الاكبر الذى يناقشه المنتدى يبقى ذلك المتعلق بانهيار الثقة فى القانون الدولى، ففى كلمته خلال الافتتاح، شدد رئيس الوزراء وزير الخارجية القطرى الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثانى على أن «العدالة باتت فى كثير من الأحوال غائبة عن مسار القانون الدولى»، محذرا من أن «غياب المساءلة أحد أخطر مظاهر الاختلال فى النظام الدولى»، وأضاف أن العالم يحتاج إلى «عدالة تترجم الأقوال إلى أفعال»، وأن احترام القانون الدولى لا يمكن أن يقوم على انتقائية او ازدواجية معايير.

هذه الرسائل جاءت فى لحظة تتصدر فيها غزة واجهة النقاش العالمي، باعتبارها المثال الأوضح على إضعاف منظومة القانون الدولي، سواء عبر التجاهل المتكرر للقرارات الأممية، أو من خلال استخدام القوة بشكل مفرط دون محاسبة، وبحسب رئيس الوزراء القطرى، فإن وقف إطلاق النار فى غزة لا يمكن اعتباره قائما من دون انسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع، مؤكدا أن الاتفاق الذى تم التوصل إليه لم يطبق بالكامل، هذا الطرح يعكس فهما أن أزمة غزة ليست حدثا عابرا، بل اختبارا لمصداقية النظام الدولى ومستقبل العدالة فيه.

إلى جانب ذلك، تتناول النقاشات الأزمات فى السودان واليمن وغيرها من المناطق التى تعيش صراعات طويلة لم تُعالَج جذورها. ويتفق الخبراء المشاركون على أن غياب المحاسبة وترك النزاعات مفتوحة دون حلول جذرية ينتج دوائر ممتدة من العنف، ويقوض فرص التنمية والاستقرار، ومع تراجع حضور المؤسسات الدولية، يصبح الإنسان هو الحلقة الأضعف، بينما تتنامى المخاطر على الأمن الإقليمى والدولى.

النقطة الجوهرية التى تتقاطع حولها أغلب مداخلات المنتدى هى أن العالم يعيش مرحلة انتقالية تتطلب إعادة بناء منظومة القواعد التى عاش عليها لعقود، فليس من الممكن استمرار الوضع الراهن فى ظل فقدان الثقة بالمؤسسات، وازدياد ازدواجية المعايير، وتصاعد النزاعات دون أفق للحل. ومع ذلك، لا يمكن لأى دولة، حتى القوى الكبرى، إدارة هذه المرحلة بمفردها، ما يجعل الحوار المتعدد الأطراف شرطا لا غنى عنه.

وهنا تبرز أهمية المشاركة الواسعة التى يشهدها المنتدى، حيث يحضر أكثر من ستة آلاف مشارك من 160 دولة، و471 متحدثا ضمن 125 جلسة، من بينهم الرئيس السورى أحمد الشرع، ورزير الخارجية المصرى الدكتوربدر عبدالعاطى، ووزير الخارجية التركى هاكان فيدان، ووزير الخارجية الإسبانى خوسيه مانويل الباريس. هذا التنوع لا يمنح المنتدى زخما فقط، بل يمنحه القدرة على التقاط ملامح التحولات العالمية من زوايا متعددة، الأمر الذى يعزز طابعه كمنصة للحوار تتجاوز الحدود الجغرافية والسياسية.

رغم ذلك، يدرك القائمون على المنتدى أن دوره لا يكمن فى تقديم حلول نهائية للأزمات، بل فى خلق مساحات للتفكير الاستراتيجى وتبادل الخبرات، وتوفير إطار يتيح بلورة أفكار قابلة للتطوير مستقبلا. فالمنتديات الدولية - حتى ولو لم تكن ملزمة - تسهم فى تشكيل الوعى العالمى، وهى فى كثير من الأحيان نقطة بداية لسياسات أو مبادرات دولية لاحقة.

لكن النجاح الحقيقى لأى منتدى، بما فى ذلك منتدى الدوحة، سيقاس فى قدرته على التأثير فى النقاش العالمى حول إعادة الاعتبار للقانون الدولي، وتعزيز مبادئ العدالة، ودعم المسارات الإنسانية، وفتح المجال أمام مقاربات تضع الإنسان فى قلب صنع القرار، فالعالم لم يعد يحتمل مزيدا من الوعود، أو مزيدا من السياسات التى تدير الأزمات بدلا من حلها.

وعليه، تبدو الرسالة المركزية التى يقدمها المنتدى هذا العام واضحة: لا يمكن معالجة اضطراب العالم من دون إصلاح بنية العدالة الدولية، ولا يمكن بناء الثقة من دون مساءلة، ولا يمكن تحقيق الاستقرار من دون الاعتراف بان الانسان يجب أن يكون محور أى نظام دولى جديد.

يكشف منتدى الدوحة 2025 عن حقيقة جوهرية مفادها أن العالم يقف على مفترق طرق حاسم، حيث لم يعد ممكنا الاستمرار فى إدارة الأزمات بالأدوات القديمة أو الاكتفاء بلغة الدبلوماسية التقليدية التى فقدت جزءا كبيرا من فعاليتها. فالتحولات التى يشهدها النظام الدولى تشير إلى أن مرحلة ما بعد الهيمنة الواحدة، وما بعد القانون الدولى كما عرفناه، تتطلب نمطا جديدا من التفكير والعمل. ومن هنا يكتسب المنتدى أهميته كمنصة تضع أسئلة أكثر مما تقدم أجوبة، لكنها اسئلة ضرورية لكسر حالة الجمود التى تحكم العلاقات الدولية، فإعادة بناء الثقة ليست فعلا دبلوماسيا فحسب، بل عملية إعادة تأسيس لنظام عالمى يقوم على توازن أكثر عدلا بين القوة والقانون، وعلى فهم أوسع لدور الإنسان كغاية لا كوسيلة. وقد يكون العالم بعيدا عن الوصول إلى هذا التوازن، لكن المؤكد أن مثل هذه المنتديات تشكل جزءا من رحلة البحث عنه، وإطارا ضروريا لتشكيل الوعى الجماعى حول الحاجة إلى نظام دولى جديد أكثر توازنا وقدرة على حماية السلم والعدالة فى آن واحد.

p
 

 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب