أكد علاء فاروق وزير الزراعة واستصلاح الاراضى أن الموسم الزراعى الحالى شهد إقبالًا متزايدًا وملحوظًا من المزارعين فى مختلف المحافظات على زراعة القمح، وهو المحصول الاستراتيجى الذى يمثل عصب الأمن الغذائى القومى.
ويأتى هذا الإقبال المتنامى كثمرة مباشرة لحزمة السياسات التحفيزية والدعم الحكومى غير المسبوق الذى اتخذته الدولة المصرية على مدار العامين الماضيين، لضمان أعلى مستويات الربحية للمزارع وتحفيزه على التوسع فى زراعة المحاصيل الحيوية.
ويشكل هذا المحصول أهمية قصوى فى ظل التحديات العالمية الراهنة التى ألقت بظلالها على سلاسل الإمداد العالمية وأسعار الحبوب، ما ضاعف من الاهتمام الرسمى والشعبى بتحقيق أكبر نسبة ممكنة من الاكتفاء الذاتى.
أولوية قصوى للأمن الغذائى فى مواجهة التحديات العالمية
وتولى القيادة السياسية المصرية أهمية قصوى لمحصول القمح، الذى يعد مكونًا أساسيًا فى النظام الغذائى للمواطنين وعنصرًا حاسمًا يمس الأمن القومى بشكل مباشر.
وفى ظل التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية التى تؤثر على حركة التجارة الدولية وأسعار الحبوب، تتجه الدولة بكل ثقلها لتبنى خطط متكاملة تهدف إلى زيادة نسب الاكتفاء الذاتى وتقليل الفجوة الغذائية.
وتعتمد هذه الخطط على آليات متعددة ومحكمة، تشمل التوسع فى نظام الزراعة التعاقدية الذى يضمن سعرًا مجزيًا ومحددًا للمزارع قبل عملية الحصاد، بالإضافة إلى تقديم حوافز سعرية مستمرة، وهذا التوجه يعكس قناعة راسخة بأن تعزيز الإنتاج المحلى من القمح هو الاستثمار الأكثر أمانًا واستدامة فى مواجهة أى تقلبات خارجية.
الخريطة الصنفية
فى سياق جهود وزارة الزراعة لرفع كفاءة الإنتاج وتحقيق أعلى إنتاجية بأقل تكلفة، برزت "الخريطة الصنفية الجديدة" لمحصول القمح كأداة علمية وعملية محورية، وهذه الخريطة، التى تم إصدارها للموسم الزراعى، هى نتاج لنتائج الأبحاث والتجارب الحقلية المتواصلة وتعد خطوة هامة نحو تطبيق أفضل الممارسات الزراعية الحديثة.
وتكمن الأهمية الاستراتيجية لهذه الخريطة فى قدرتها على تحديد الأصناف الموصى بها لكل محافظة على حدة، بناءً على تحليل دقيق لخصائص التربة والظروف المناخية السائدة فى كل منطقة، بهدف زراعة الأصناف التى تتميز بأعلى مقاومة للأمراض، وعلى رأسها الصدأ الأصفر، إلى جانب كونها الأصناف الأكثر ترشيدًا لاستخدام المياه.
توفير التكلفة وزيادة العائد
ويوضح مركز البحوث الزراعية أنه من خلال الالتزام بالتوصيات الواردة فى الخريطة الصنفية، يمكن المزارع أن يضمن الاستفادة القصوى من وحدة الأرض الزراعية، ما يسهم بشكل مباشر فى رفع الكفاءة الإنتاجية الإجمالية للمحصول فالأصناف التى تمتاز بمقاومة الأمراض تقلل من الحاجة لاستخدام المبيدات والمكافحات الكيميائية، كما أن الأصناف المُرشدة للمياه تسهم فى خفض تكاليف الرى فى ظل التحديات المائية.
وشدد المركز على أنه تم توفير التقاوى المعتمدة فى كافة المنافذ، مؤكدا على دورها المحورى فى توعية المزارعين بأهمية الالتزام بالتوجيهات الإرشادية والخريطة الصنفية لاتخاذ القرار الصائب، وهناك أصناف متخصصة مثل صنف "سخا 96" الذى يعد خيارًا مثاليًا للزراعات المتأخرة، كزراعات ما بعد محاصيل الخضر أو عقب حصاد القصب، وذلك لما يمتاز به من سرعة فى النضج وقدرة عالية على تحمل الظروف البيئية المختلفة.
تضافر الجهود لتقليل فاتورة الاستيراد
يشار إلى أن نجاح موسم زراعة القمح ليس مسؤولية حكومية فحسب، بل يتطلب تضافر جهود كافة الأطراف، من المؤسسات البحثية إلى المزارع البسيط، وتمثل الخريطة الصنفية اليوم أداة لا غنى عنها تدعم المزارع لاتخاذ القرار الصائب، وتؤمن للدولة خطوة ثابتة ومحسوبة نحو تعزيز أمنها الغذائى وتقليل فاتورة الاستيراد من هذا المحصول الاستراتيجى الحيوى.
وتعمل الدولة المصرية، عبر هذه الآليات المتكاملة، على تحويل التحديات العالمية إلى فرص لتعزيز الاعتماد على الذات، ليصبح القمح المصرى ليس مجرد محصول زراعى، بل ركيزة أساسية لتعزيز الاقتصاد القومى وحماية المواطنين من تقلبات الأسواق الدولية.
وتتطلع الحكومة إلى موسم حصاد وفير، يؤكد على نجاح سياساتها الزراعية التحفيزية والعلمية فى تحقيق الأمن الغذائى المستدام. تشير التقديرات والتوقعات للموسم الزراعى الحالى الذى نحن بصدده (2026/2025) إلى استمرار الاتجاه التصاعدى، حيث يتوقع خبراء الزراعة أن يصل حجم الإنتاج إلى حوالى 10 ملايين طن فى الموسم الحالى، مدعومًا بزيادة المساحات المزروعة والدعم الفنى والتقاوى.
وتتجه الحكومة المصرية إلى استهداف زراعة حوالى 3.5 مليون فدان من القمح فى العام الحالى مما يؤكد على الأولوية المستمرة لهذا المحصول الاستراتيجى.
وشهدت الكميات الموردة من القمح المحلى ارتفاعاً ملحوظاً، حيث وصلت إجمالى الكميات الموردة هذا العام إلى نحو 4 ملايين طن، بزيادة بلغت حوالى 16% مقارنة بالعام الماضى (3.4 مليون طن).
وهذه الأرقام تؤكد على فعالية سياسات الدولة فى تحفيز المزارعين، وتحسين منظومة التسعير والدعم، واستخدام الأدوات العلمية مثل "الخريطة الصنفية" لزيادة الإنتاجية وتحقيق الأمن الغذائى.