فيسبوك
واتساب
بين وديان الصحراء فى أقصى جنوب مصر، يتعالى أصوات الخيول بالصهيل بين الجبال، لتعلن عن واحدة من أبرز المنافسات التراثية فى قرية بنبان بمحافظة أسوان، فى مشهد يختلط فيه عبق التاريخ بنقاء الصحراء، وتتشكل سباقات "المرماح" كواحدة من أبرز صور التراث الصعيدى المتوارث عبر الأجيال.
فارس-المرماح
مع شروق الشمس فوق الوديان الواسعة، تبدأ الأرض فى التحول إلى مسرح مفتوح تتقاطع فيه خطوط الرمل مع خيول عربية أصيلة تركض بثبات واتزان، بينما يقف الرجال فى صفوف طويلة تتابع حركة الفرسان بتركيز يليق بتقليد يحمل فى طياته مئات السنين من الفروسية وتكتمل الصورة بروح القبائل التى تحرص على حضور هذا الحدث سنويًا، وكأنها تعلن فى كل مرة أن هذا الموروث ليس مجرد رياضة، بل هوية ثقافية وصورة نابضة من تاريخ الصعيد الذى لم يندثر يومًا.
طقس عربى أصيل يتجدد فى وديان بنبان
قال محمد حسين عثمان، 57 سنة، أحد أبناء القرية، لـ"اليوم السابع"، إن المرماح بالنسبة لهم إحياء لتراث متجذر فى الذاكرة، يعكس مكانة الفارس وقدرته ومهارته، ويحفظ ما تركه الأسلاف من قيم الفروسية، ليستعيد أبناء بنبان، ومعهم قبائل عربية من مختلف أنحاء الصعيد، طقوس المرماح سنويًا باعتباره قيمة ثقافية تُمثل احترام الفروسية وأصالة الانتماء، مؤكدًا أن الاستعداد للسباق يتطلب عناية دقيقة بالخيول وتجهيزها على مدار أسابيع، معتبرًا أن العلاقة بين الفارس وحصانه جزء من هذا التراث الذى يتجاوز حدود المنافسة ليصل إلى مستوى المشاركة الوجدانية بين الإنسان والحيوان.
قواعد محكمة وتحكيم يحافظ على الإرث
ورغم طابع الحماسة الذى يملأ المكان، يخضع المرماح لقواعد صارمة تُعد جزءًا أصيلًا من جمالياته التراثية، فالسباق يقوم على مهارة الفارس فى الحفاظ على خط ثابت داخل ممر طويل، ويقيم الأداء استنادًا إلى الالتزام والدقة، وليس إلى سرعة الحصان وحدها.
وأضاف فتحى على فرح، 67 سنة، عضو لجنة التحكيم، أن المرماح يلتزم بأصول واضحة منذ نشأته، تعتمد على قدرة الفارس على السيطرة الكاملة، وثبات الحصان داخل المسار المخصص وأى انحراف بسيط عن الخط يؤثر فى النتيجة، لأن الهدف الأساسى هو إظهار المهارة وليس التفوق بالسرعة، مضيفًا أن بعض الفرسان يمتلكون خبرة طويلة تظهر فى أدائهم المتوازن، فتبدو خطوات الحصان وكأنها جزء من طقس عربى قديم يعاد إحياؤه فى كل سباق.
احتفال اجتماعى يجمع الأهالى من كل الأنحاء
ولا تقتصر قيمة المرماح على جانب الفروسية فقط، بل يمتد ليصبح يومًا احتفاليًا يجمع الأهالى والزوار والأسر من مختلف القرى والمحافظات وتتحول المنطقة المحيطة بمضمار السباق إلى ساحة اجتماعية يتبادل فيها الحضور الأحاديث والذكريات، بينما يجلس كبار السن فى الصفوف الأمامية يتابعون حركة الفرسان وكأنهم يستعيدون زمنًا كانوا جزءًا منه.
وأشار محمد حسن عشرى، أحد أبناء القرية، إلى أن المرماح يمثل مناسبة اجتماعية واسعة تُعزز الروابط بين القبائل وتُعرف الجيل الجديد بجذورهم، فالحضور لا يقتصر على عشاق الخيول، بل يشمل الباحثين فى التراث والمصورين والزوار الذين يجدون فى هذه اللحظات مشهدًا ثقافيًا قلّما يتكرر، مؤكدًا أن المشاركة المتزايدة للشباب فى الأعوام الأخيرة تشير إلى أن هذا التراث سيظل حيًا، ينتقل من جيل إلى آخر بثقة واعتزاز.
موروث يعبر الزمن ويصنع هوية الصعيد
وتجمع سباقات المرماح بين جماليات الطبيعة وقيم الفروسية، لتقدم لوحة إنسانية تعكس الهوية العميقة لأهالى الصعيد، فالصحراء ليست مجرد خلفية جغرافية للسباق، بل فضاء يحمل تاريخًا طويلًا من الشجاعة والتنقل والعلاقات بين القبائل ومع كل صهيل يعلو فى الوادى، تتجدد الحكايات الموروثة عن الفرسان القدامى الذين صنعوا هذه السيرة قبل مئات السنين.
ويشير الأهالى، إلى أن الحدث يمثل عنصر جذب سياحى مهم، حيث يقبل عليه زوار من داخل مصر وخارجها لمشاهدة واحد من أعرق أشكال الفلكلور الحى، كما يساهم فى انتعاش الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالفروسية، من مستلزمات الخيول وحتى المأكولات الشعبية.
رابط متين بين الحاضر والماضى
وتظل سباقات المرماح نموذجًا للتراث الذى استطاع تجاوز الزمن، محافظًا على قيمه ورموزه ومكانته الاجتماعية، فهى ليست مجرد منافسة، بل منصة تجمع القبائل وتعيد الاعتبار للفروسية العربية كإحدى ركائز الهوية الثقافية فى جنوب مصر.
يُشار إلى أن مرماح بنبان، أصبح من أشهر الفاليات التراثية فى صعيد مصر، ومن أهم الأنشطة التى تعبر عن خصوصية الصحراء الجنوبية، وما تحمله من حكايات وأصالة وعادات ممتدة عبر الأجيال.
الخيول-المشاركة
الخيول-المشاركة-فى-المرماح
الصعيدى-يصطحب-أولاده-للمرماح
الفارس-الفائز
جانب-من-المرماح
جوائز-المرماح
حضور-المرماح
فرحة-الجمهور
كؤوس-المسابقة
لجنة-التحكيم
