فقر الدم من أكثر المشكلات التي يمكن أن تُرهق الحامل دون أن تشعر في البداية، فبينما يعمل الجسم على تغذية الجنين وتكوين خلايا جديدة، يزداد الطلب على الحديد بشكل يفوق المعدل الطبيعي، وهو ما يجعل كثيرًا من النساء في مراحل الحمل المتقدمة عرضة لنقصه. هذا النقص لا يؤثر فقط على طاقتك اليومية، بل قد يُعرّض الحمل نفسه لبعض المضاعفات إن لم يُعالج في الوقت المناسب.
وفقًا لتقرير نشره موقع ucsfhealth فإن فقر الدم الناتج عن نقص الحديد يُعدّ الشكل الأكثر شيوعًا أثناء الحمل، إذ يحتاج الجسم إلى مضاعفة إنتاج خلايا الدم الحمراء لتزويد الجنين بالأوكسجين والمغذيات. ولأن الجسم لا يُنتج الحديد بنفسه، يعتمد كليًا على ما تحصلين عليه من طعامكِ ومكملاتكِ الغذائية.
لماذا تزداد الحاجة للحديد خلال الحمل؟
في الثلثين الثاني والثالث من الحمل، يرتفع حجم الدم في جسم الحامل بشكل ملحوظ، ويبدأ الجسم بإنتاج خلايا دم جديدة بوتيرة أسرع. تعتمد هذه العملية على الحديد كعنصر أساسي لبناء الهيموجلوبين، وهو البروتين الذي يحمل الأوكسجين داخل خلايا الدم الحمراء. وعندما لا تكون كمية الحديد كافية، تقل قدرة الدم على نقل الأوكسجين، فتظهر علامات الإرهاق، والدوخة، وشحوب البشرة.
الأسباب الخفية لفقر الدم
قد يحدث النقص لأسباب بسيطة مثل قلة تناول الأطعمة الغنية بالحديد أو حمض الفوليك، أو لضعف امتصاص الجسم لهما. وفي بعض الحالات، يزيد تكسير خلايا الدم الحمراء أثناء الإصابة ببعض الأمراض، مما يفاقم المشكلة.
ورغم أن الأعراض قد تكون غير واضحة في المراحل الأولى، فإن استمرارها قد يسبب ضعفًا عامًا، صعوبة في التركيز، وتسارع ضربات القلب مع المجهود البسيط.
الغذاء أول سلاح للوقاية
الغذاء المتوازن هو خط الدفاع الأول ضد فقر الدم. احرصي على تناول مصادر الحديد الحيواني مثل اللحوم الحمراء الخالية من الدهون، والدجاج، والأسماك، فهي تحتوي على نوع الحديد المعروف باسم الهيم، الذي يُمتص بسهولة أكبر مقارنة بالحديد النباتي.
أما إذا كنتِ نباتية أو تقللين من اللحوم، فاجعلي في وجباتك أطعمة مثل العدس، والفاصوليا، والسبانخ، والبنجر، ودقيق فول الصويا. ويفضَّل تناولها مع عصير غني بفيتامين "سي" مثل عصير البرتقال أو الجوافة، لأن هذا الفيتامين يعزز امتصاص الحديد في الأمعاء.
كما يُنصح بتقليل شرب القهوة أو الشاي مع الوجبات، لأن التانينات الموجودة فيهما تقلل امتصاص الحديد من الطعام.
دور حمض الفوليك والفيتامينات المساندة
حمض الفوليك عنصر لا يقل أهمية عن الحديد أثناء الحمل، إذ يشارك في تكوين خلايا الدم الجديدة ويمنع تشوهات الأنبوب العصبي لدى الجنين. يمكن الحصول عليه من الخضراوات الورقية الداكنة، وجنين القمح، والفول، وعصير البرتقال الطازج.
تُضاف إلى ذلك فيتامينات أخرى مثل فيتامين "ب12" الضروري لتكوين كريات دم سليمة، ويمكن الحصول عليه من البيض، ومنتجات الألبان، والأسماك.
المكملات الغذائية: عندما لا يكفي الطعام وحده
في كثير من الحالات، لا يمكن للنظام الغذائي وحده أن يوفّر الكمية المطلوبة من الحديد أثناء الحمل، لذا يصف الطبيب مكملات الحديد ضمن الفيتامينات اليومية قبل الولادة.
تحتوي أغلب المكملات المخصّصة للحامل على 30 إلى 60 مليجرامًا من الحديد، وهي كمية كافية للوقاية من النقص. لكن في حال كان فقر الدم واضحًا، قد يوصي الطبيب بجرعات إضافية.
وإذا شعرتى باضطراب في المعدة بعد تناول الحبوب، يمكن أخذها مع وجبة خفيفة، لكن يُفضَّل عدم تناولها مع الحليب أو مكملات الكالسيوم لأنها تعيق امتصاص الحديد.
مشروبات تدعم امتصاص الحديد
يمكن لبعض العصائر الطبيعية أن تساعد في رفع نسب الحديد بشكل غير مباشر. من أبرزها:
عصير البرتقال أو الليمون، لاحتوائهما على فيتامين "سي".
عصير البنجر، الذي يدعم إنتاج خلايا الدم.
عصير الجزر والتفاح، وهما من المصادر الغنية بمضادات الأكسدة التي تحسّن من صحة الدم والدورة الدموية.
كما يُنصح بتجنب المشروبات الغازية والكافيين الزائد، لأنها قد تقلل امتصاص الحديد وتزيد من فقدان السوائل.
الطبخ في أوانٍ حديدية
من النصائح غير الشائعة لكن الفعالة، استخدام أواني الطهي المصنوعة من الحديد الزهر، إذ تنتقل كميات صغيرة من الحديد إلى الطعام أثناء الطهي، مما يُساعد في رفع نسبته اليومية بشكل طبيعي وآمن.
العناية الذاتية أساس الراحة
إلى جانب الغذاء والمكملات، يُنصح بالراحة الكافية وتجنب الإجهاد الزائد، فالنوم الجيد والنظام الغذائي المتوازن يعملان معًا لتحسين إنتاج خلايا الدم ودعم صحة الأم والجنين.
فقر الدم أثناء الحمل ليس أمرًا حتميًا، لكنه يحتاج إلى وعي مبكر وتغذية ذكية. والمفتاح هو الموازنة بين الغذاء الغني بالعناصر الأساسية والمتابعة الطبية المنتظمة.