شريف عارف

اللغة العربية.. تحديات الممارسة والواقع

الخميس، 04 ديسمبر 2025 03:06 م


شريف عارف

 

قبل قرن كامل من الزمان بسنوات قليلة، وتحديداً فى عام 1938، أصدر عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين كتابه "مستقبل الثقافة فى مصر"، الذى قدم فيه طه حسين رؤية ثقافية جذرية لمصر تقوم على اعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الحضارة المتوسطية الغربية، وليس الشرقية.

رؤية طه حسين للثقافة المصرية قامت على  الانتماء للحضارة الغربية، مثيراً الجدل حول أن مصر بحكم تاريخها وجغرافيتها، أقرب إلى دول حوض البحر المتوسط منها إلى الشرق الأقصى، ورأى أن طريق النهضة والتقدم لمصر يمر عبر الأخذ بالمنهج الأوروبى فى العلم، والفكر، والثقافة.

ورغم حديث الكتاب عن مستقبل الثقافة إلا أن طه حسين تحدث عن أن أساس النهضة هو التعليم، الذى يجب أن يكون حراً ومجانياً وإلزامياً، كركيزة أساسية لبناء دولة حديثة مزدهرة

وحول موقفه من اللغة العربية، فلم يدعُ طه حسين إلى العامية، بل كان مدافعاً قوياً عن اللغة العربية الفصحى والأدب العربي. ومع ذلك، فقد أثار الجدل فى مواضيع متعلقة بتبسيط قواعد اللغة وتيسير النحو، حيث تقدم بمشروع لاختصار النحو العربى وعلاماته، مما قوبل برفض عنيف من الأصوليين فى مجمع اللغة العربية فى ذلك الوقـت.

قبل أيام تشرفت بالمشاركة وسط كم كبير من القمم والقامات ممثلا عن مجلس الشباب المصري، بين السادة والسيدات مستشارى وخبراء الهيئات والوزارات فى الاجتماع الأول لإعداد  التقرير الوطنى عن واقع ممارسات اللغة العربية ، فى لقاء متخصص نظمه مركز تطوير تعليم الطلاب الوافدين والأجانب بمشيخة الأزهر الشريف، والذى تترأسه الأستاذة الدكتورة نهلة الصعيدى مستشار فضيلة الإمام الأكبر لشئون الوافدين، المكلفة بقرار المجلس الأعلى للأزهر الشريف لهذا المشروع.

كان لقاء ثريا ومهما فتح باب النقاش حول ممارسات اللغة العربية والتحديات التى تواجهها فى ظل صراعات الهوية الوطنية والحروب الدائرة حولها.

تشهد الساحة الثقافية فى مصر الآن، توجهًا متزايدًا نحو إعادة تقييم واقع اللغة العربية ودورها فى تعزيز الهوية الوطنية، وهو ما دعا وحدة الدراسات والمشروعات البحثية التابعة لمركز تطوير تعليم الطلاب الوافدين والأجانب بـمشيخة الأزهر إلى تبنى مقترحًا لإعداد مشروع بحثى قومى يهدف إلى إعداد تقرير شامل عن واقع ممارسات اللغة العربية فى مصر، لعرضه على القيادة السياسية.

المشروع يهدف إلى توصيف الممارسات الفعلية للغة العربية على مستوى المجتمع، ورصد التحديات التى تعوق استخدامها السليم، وتحدّ من قدرتها على أن تكون مهارة حياتية مستدامة لا مجرد مادة دراسية داخل المؤسسات التعليمية.

ويعمل المشروع على صياغة آليات عملية وتطبيقية لتعزيز الاستخدام الصحيح للعربية فى الحياة العامة، وصولًا إلى إعداد سياسة لغوية قومية واضحة تستجيب لاحتياجات المجتمع ومتطلبات العصر.

المؤشرات الأولية تشير إلى أن اللغة العربية لا تزال محصورة إلى حد كبير داخل الإطار التعليمي، بينما يتراجع حضورها فى التكنولوجيا والإعلام والبحث العلمي. وهذا التراجع يحول دون تحقيق العربية لدورها كلغة تواصل معرفى عالمي، على الرغم مما تمتلكه من ثراء وقدرة على استيعاب المستجدات العلمية والثقافية.

انعقاد هذا اللقاء يأتى متسقاً مع دعوات فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، الذى شدد على ضرورة حماية العربية باعتبارها أساسًا لفهم التراث الإسلامي، ووسيلة فعالة فى مواجهة التطرف والغلو، ومكونًا رئيسًا فى الحفاظ على وحدة المجتمع وتماسكه.

وتظهر الدراسات أن مصر من أكثر الدول تجانسًا لغويًا، حيث تتصدر العربية المشهد الثقافى والوجدانى لكافة فئات المجتمع. ويمنح هذا التجانس مصر فرصة فريدة لوضع تخطيط لغوى رشيد يعزز الأداء اللغوى المكتوب والمنطوق، ويرفع كفاءة استخدام اللغة الوطنية فى مختلف المجالات.

التحدى الأكبر والأخطر الذى يواجه اللغة العربية ، فى أنه مع تسارع موجات العولمة الساعية لفرض لغة واحدة مهيمنة، تتعرض اللغات الأصيلة لخطر التهميش أو الاندثار، ما يؤدى إلى تآكل الذاكرة الثقافية والهوية الحضارية. ومن هنا تبرز أهمية حماية اللغة العربية باعتبارها الوعاء الأول للثقافة، وحافظة التراث والتقاليد والإبداع.

اللقاء هو بداية لإنقاذ ممارسات اللغة العربية .. والحفاظ على هويتنا الوطنية من التهديد..




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب