أكد الدكتور طاهر زيد، مدير وحدة حوار بدار الإفتاء المصرية، أن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة هما المصدران الأساسيان للتشريع الإسلامي، واللذان اعتمد عليهما العلماء في استنباط الأحكام الشرعية، موضحًا أن تساؤل كثير من الناس حول سبب اختلاف العلماء رغم اعتمادهم على نفس المصادر، ووجود مذاهب فقهية متعددة، هو تساؤل مشروع يحتاج إلى فهم علمي منهجي.
أسباب اختلاف العلماء:
وأوضح مدير وحدة حوار بدار الإفتاء المصرية، خلال حلقة برنامج "مسارات"، المذاع على قناة الناس، أن الاختلاف بين العلماء ليس نوعًا واحدًا، فهناك ما يُعرف بـ«الخلاف المعتبر»، وهو الخلاف القائم على أسس علمية صحيحة، مشيرًا إلى أن من أسباب الاختلاف تباين العلماء في الحكم على الحديث الواحد، أو اختلافهم في فهم النص الشرعي والجمع بين الأدلة أو الترجيح بينها.
وأشار إلى ما وقع من اختلاف بين الصحابة في فهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة»، حيث فهم فريق أن المقصود هو الإسراع فصلوا في الطريق، بينما فهم فريق آخر وجوب الصلاة في بني قريظة، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم الفريقين ولم يعنف أحدًا، مما يدل على مشروعية الاختلاف في الفهم إذا كان قائمًا على الاجتهاد.
اختلاف العلماء في دلالات الألفاظ اللغوية
وبيّن أن من أسباب الخلاف أيضًا اختلاف العلماء في دلالات الألفاظ اللغوية، مثل كلمة «القرء» في قوله تعالى: ﴿والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء﴾، حيث اختلف الفقهاء هل المقصود بها الحيض أم الطهر، وهو ما يترتب عليه اختلاف في مدة العدة، مؤكدًا أن هذا النوع من الخلاف سببه اختلاف المعنى اللغوي للكلمة الواحدة.
اختلاف العلماء لم يكن عشوائيًا ولا اتباعًا للهوى
وأكد أن اختلاف العلماء لم يكن عشوائيًا ولا اتباعًا للهوى، بل كان نتيجة مناهج علمية وأصول ثابتة في التعامل مع النصوص الشرعية، موضحًا أن العلماء وضعوا ضوابط ليكون الخلاف معتبرًا، منها أن يكون مأخذ الخلاف قويًا، وألا يؤدي إلى ترك سنة ثابتة أو مخالفة إجماع، وأن يكون الخلاف واقعًا بين علماء معتبرين.
القاعدة الفقهية «لا إنكار في مسائل الاختلاف»
وأوضح أن القاعدة الفقهية «لا إنكار في مسائل الاختلاف» تعني أنه لا يجوز إنكار فعل على مسلم إذا كان مبنيًا على قول فقهي معتبر، حتى لو خالف مذهب غيره، مشددًا على أن اختلاف الفقهاء يعكس سعة الشريعة ومرونتها ورحمة الله بعباده، وليس سببًا للتعصب أو النزاع.
الاختلاف الفقهي في الإسلام رحمة
وأكد على أن الاختلاف الفقهي في الإسلام رحمة، كما عبّر عن ذلك الأئمة، مستشهدًا بقول الإمام الشافعي: «قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب»، وقول الإمام أبي حنيفة: «قولنا هذا رأي وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن جاءنا بأحسن منه قبلناه»، مشددًا على أن وجود مساحات للاختلاف لا يعني المساس بثوابت الدين المجمع عليها، وأن الفهم الصحيح للنصوص يجب أن يكون منضبطًا بالقواعد العلمية وأصول اللغة العربية.