ترددتُ كثيرًا، وتنازعتني الأفكار قبل أن أخطَّ هذه الكلمات، فالمسافة بين "المديح" و"شهادة الحق" خيط رفيع يخشى المرء أن يلتبس على القارئ، وزاد من ترددي أن معالي وزير الصحة الدكتور خالد عبد الغفار، شخص يعمل في صمت، ويؤمن بأن الواجب لا يحتاج إلى ضجيج، فأخشى أن يزعجه هذا البوح.
ولكن، أمام موقفٍ إنسانيٍ كاشف، وجدتُ لزامًا عليَّ أن أنقل التجربة، لا من باب الثناء، بل من باب إنصاف المسؤول الذي يرى في منصبه "أمانة" وفي صوت المواطن "استغاثة" لا تقبل التأجيل.
قبل أسابيع ليست بالبعيدة، وجدتُ نفسي في مواجهة موقفٍ أقل ما يوصف به أنه "سخيف" ومهين للكرامة الإنسانية، كنتُ في أحد المستشفيات الخاصة الكبرى، حيث تم الاتفاق مسبقًا على إجراء عملية جراحية لاستئصال حصوات بالكلى مقابل مبلغ محدد سأتحمله، استعديتُ نفسيًا وجسديًا، ولكن قبل موعد العملية بساعة واحدة فقط، جاءت الصدمة، حيث أبلغتني إدارة المستشفى بمضاعفة الرقم المطلوب مرتين ونصف! أما الحجة فكانت "أقبح من الذنب"؛ إذ ادّعوا ببساطة أن المحاسب لم يحسب تكاليف العملية بدقة.
وحين لوحتُ للمسؤولين هناك بأنني سأتقدم بشكوى رسمية ضد هذا الابتزاز الواضح، قُوبل كلامي بسخرية فاترة، ونظراتٍ لسان حالها يقول: "افعل ما شئت.. لن يسمعك أحد".
في تلك اللحظة التي يختلط فيها الألم الجسدي بمرارة الشعور بالظلم، قررتُ أن أضع المسؤولية في يد صاحبها، أرسلتُ رسالة قصيرة عبر "الواتساب" إلى معالي الوزير الدكتور خالد عبد الغفار، عرفته فيها بنفسي وسردتُ له الموقف بإيجاز، وما حدث بعد ذلك لم يكن متوقعًا في حسابات الروتين الذي اعتدنا عليه سابقًا، ففي نفس الدقيقة، جاء الرد مفعمًا بالاحترام والاهتمام البالغ.
لم تمر لحظات حتى كلف الوزير، الدكتور هشام زكي، رئيس الإدارة المركزية للمؤسسات العلاجية غير الحكومية والرقابة على المستشفيات الخاصة في وزارة الصحة، بمتابعة الأمر فورًا.
اتصل بي الدكتور هشام، استمع للتفاصيل، وبنبرة الواثق من أدواته قال لي: "الأمر سينتهي في دقائق"، وبالفعل، لم تمضِ ثلاث دقائق حتى تبدل حال المستشفى؛ اختفت السخرية وحلّ مكانها الاعتذار، وعادوا صاغرين للاتفاق الأول، مدركين أن خلف هذا المواطن "دولة" لا تقبل بالاستغلال.
إن هذه الواقعة ليست مجرد حكاية عن "فاتورة مستشفى"، بل هي درس في معنى "الوزير الإنسان"، نعم، لقد برهن الدكتور خالد عبد الغفار أن الرقابة ليست مجرد حملات تفتيشية دورية، بل هي "يقظة ضمير" واستجابة فورية لأوجاع الناس.
لقد لمستُ بنفسي كيف يمكن للمسؤول أن يحول هاتفه الشخصي إلى "مكتب تظلمات" مفتوح للجميع، وكيف تدار الأزمات بحسمٍ لا يخلو من الرقي، وبسرعةٍ تسبق دقات الساعة.
الشاهد من هذه التجرية أن خالد عبد الغفار بالفعل وزيرٌ بدرجة "إنسان"، هذه هي الحقيقة التي استنتجتها من تجربتي، شكرًا لمعالي الوزير الذي أعاد لي حقي، وللدكتور هشام ذكي الذي لم يبخل بوقته لحل المشكلة في ثواني، وشكرًا لكل مسؤول يدرك أن هيبة الدولة تبدأ من نصرة الضعيف في وجه المتجبرين.