أثارت واقعة الهروب الجماعي لنزلاء إحدى المصحات لعلاج الإدمان بمحافظة الجيزة حالة واسعة من الجدل والاهتمام بين المواطنين، بعد تداول صور ومقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي توثق لحظات خروج عدد من الأشخاص بشكل جماعي من المصحة، في مشهد بدا صادمًا ومثيرًا للتساؤلات حول ما يدور خلف جدران تلك المنشآت التي يفترض أن تكون ملاذًا للعلاج لا مسرحًا للفوضى.
المقاطع المتداولة أظهرت نزلاء يفرون من المكان في وضح النهار، وسط حالة من الارتباك، وهو ما دفع كثيرين للتساؤل عن طبيعة المصحة، وكيف تُدار، وما إذا كانت تخضع للرقابة القانونية والطبية، خاصة مع تردد أنباء عن تعرض بعض النزلاء لسوء معاملة داخلها.
التحرك الأمني لم يتأخر، إذ أعلنت وزارة الداخلية أنها باشرت فحص الصور ومقاطع الفيديو المتداولة، في إطار كشف ملابسات الواقعة، وتبين أن المصحة تقع بدائرة مركز شرطة البدرشين بمحافظة الجيزة، وتعمل في مجال علاج الإدمان دون الحصول على التراخيص القانونية اللازمة.
وكشفت التحريات أن المصحة المشار إليها سبق غلقها في 14 أكتوبر الماضي، عقب استهدافها بالتنسيق مع الجهات المعنية، بسبب مخالفات جسيمة تتعلق بممارسة النشاط دون ترخيص، وعدم استيفاء الاشتراطات القانونية والصحية، إلا أن المفاجأة تمثلت في إعادة فتحها مرة أخرى خلال شهر نوفمبر المنقضي، في تحدٍ واضح للقانون.
القبض على المتهمين بإدارة مصحة البدرشين
وأوضحت وزارة الداخلية أن جهودها أسفرت عن تحديد وضبط مالك المصحة وعدد من المشرفين القائمين على إدارتها، وتبين أن اثنين من هؤلاء المشرفين لهم معلومات جنائية مسجلة، وهو ما ألقى بظلال من الشك حول طبيعة الإدارة داخل المنشأة، وأساليب التعامل مع النزلاء.
وبمواجهة المتهمين بما توصلت إليه التحريات، أقروا بقيامهم بإعادة تشغيل المصحة دون الحصول على التراخيص اللازمة، في إطار سعيهم لتحقيق أرباح مالية، مستغلين حاجة بعض الأسر إلى مراكز لعلاج الإدمان، دون الالتزام بالضوابط القانونية أو المعايير الطبية المعتمدة.
التحقيقات كشفت أيضًا أن المنشأة تمارس نشاطًا غير قانوني يُعد انتحالًا لصفة منشأة طبية، في مخالفة صريحة لأحكام قانون المنشآت الطبية غير الحكومية رقم 51 لسنة 1981 وتعديلاته، فضلًا عن مخالفة قانون الصحة النفسية رقم 71 لسنة 2009، الذي ينظم ضوابط تقديم خدمات العلاج النفسي وعلاج الإدمان، ويكفل حقوق المرضى ويحظر أي ممارسات تمس كرامتهم أو سلامتهم.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن هروب النزلاء جاء نتيجة حالة من الاحتقان داخل المصحة، في ظل غياب الإشراف الطبي المتخصص، وسوء أوضاع الإقامة، وهو ما دفع بعض المتواجدين إلى استغلال فرصة سانحة والفرار من المكان، لتتحول الواقعة إلى قضية رأي عام بعد انتشار الصور على نطاق واسع.
وأكدت وزارة الداخلية أنه تم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال القائمين على المصحة، مع التنسيق الكامل مع الجهات المختصة لإعادة غلق المنشأة وتشميعها، ومنع مزاولة النشاط مرة أخرى، في إطار خطة موسعة لمواجهة الكيانات الطبية الوهمية وغير المرخصة.
أرقام صادمة عن مصحات غير مرخصة
وبلغة الأرقام، تعكس هذه الواقعة حجم الجهود التي تبذلها الدولة في مواجهة المنشآت الطبية المخالفة، حيث شهد عام 2025 حملات تفتيشية موسعة على مستوى الجمهورية، أسفرت عن إغلاق مئات المنشآت غير المرخصة.
ففي النصف الأول من العام، جرى إغلاق أكثر من 112 منشأة مخالفة بمحافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية والإسماعيلية والفيوم، ضمن حملات استهدفت حماية صحة المواطنين.
كما أسفرت الحملات خلال شهر يوليو عن إغلاق 25 مركزًا مخالفًا في مناطق البدرشين والشيخ زايد بالجيزة، وبدر والشروق بالقاهرة، بينما تم خلال شهر أكتوبر إغلاق 15 مركزًا آخر بمحافظة الجيزة، لعدم استيفائها معايير السلامة والتراخيص اللازمة.
عقوبات صارمة للمتهمين بادارة مصحة غير مرخصة
ومن الناحية القانونية، يواجه القائمون على إدارة مثل هذه المصحات غير المرخصة عقوبات مشددة، تشمل الحبس والغرامة، وفقًا لقانون المنشآت الطبية غير الحكومية، فضلًا عن العقوبات المنصوص عليها في قانون الصحة النفسية، والتي تهدف إلى ردع كل من تسول له نفسه الاتجار بصحة المواطنين أو استغلال المرضى لتحقيق مكاسب غير مشروعة.
وتؤكد هذه الواقعة، بما حملته من مشاهد درامية وتفاصيل مثيرة، أهمية استمرار الرقابة الصارمة على المنشآت الطبية، وضرورة لجوء الأسر إلى المراكز المعتمدة رسميًا، لضمان تقديم خدمة علاجية آمنة تحفظ كرامة المرضى وحقوقهم، وتمنع تكرار مثل هذه الحوادث التي تهز ثقة المجتمع وتعرض أرواحًا للخطر.

المتهمون

هروب من مصحة لعلاج الإدمان