هو أحد صناع الجمال فى السينما، والذين صنعوا فارقا كبيرا بتيار السينما الجديدة وقت ظهورهم، المرة الأولى التى انتبهت إلى أعماله كان «البحث عن سيد مرزوق» بطولة العظيم نور الشريف، وأول ظهور للفنان المميز على حسنين، كان الفيلم معروضا فى مهرجان السينما، يجمع بين واقعية وعبث وحالة من تداخل الأحداث، وظل نور الشريف ضائعا موزعا بين الأحداث والأشخاص وسيد مرزوق نفسه بين الواقع والخيال والفانتازيا، سينما تحمل طعما ولونا وموسيقى مختلفة، وتحمل روحا جديدة، داود عبدالسيد اسم لمع مع مخرجى الموجة الجديدة،
لم نتعرف على الصعاليك إلا بعد تعرفنا على أعمال داود عبدالسيد، كنت قد قرأت «مالك الحزين» لإبراهيم أصلان الذى كتبها بطريقته وجمله التلغرافية، تزدحم رواية مالك الحزين بالشخصيات والأحداث، ومساحات المكان والزمان، وبدت للقارئ صعوبة تحويلها إلى فيلم، لكن الصعب أصبح متاحا مع داود عبدالسيد الذى ظهر مخرجا مثقفا، وقع فى هوى الأدب وفهم طريقة أصلان، واتخذ من الرواية خيطا واحدا يبدو أنه الأقرب إلى عمود فقرى للعمل، ومن يقرأ «مالك الحزين» سوف يجد فى فيلم «الكيت كات» تفاصيل المكان والزمان، وفكرة المؤلف الذى يسجل الحنين الحزين لعالم الكيت كات، مثلما يعيش «مالك الحزين» حول الماء فإذا جف شعر بالحزن، هكذا قدم داود عبدالسيد الحنين والتفاصيل وشخصيات مثل «الهرم»، و«الشيخ حسنى» التى قدمها محمود عبدالعزيز بعبقرية وبراعة خلدت الشخص والدور، بينما «الهرم» تاجر الحشيش، والتى قدمها الفنان المبدع الراحل نجاح الموجى، بقيادة عبقرية لداود عبدالسيد الذى التقط روح رواية إبراهيم أصلان وعالمها المتسع المتشابك المعقد، والتى أصبحت من أيقونات السينما.
أما الفيلم التالى الذى يحتل مكانة أيقونية فهو «أرض الخوف» الذى عرض عام 2000، وهو مثل كل أعمال داود عبدالسيد يتضمن بطولات متنوعة، طبعا مع الاعتراف بعبقرية محمود عبدالعزيز فى «الكيت كات»، هناك نجاح الموجى، بل وعلى حسنين وباقى النجوم من صف أول وثان، أما «أرض الخوف» فقد قام ببطولته العبقرى أحمد زكى، وظهر بجواره نجوم كبار منهم حمدى غيث الذى ذكر بعظمة «الأب الروحى» لكن بتمصير لفكرة من عدة أفكار، وحتى عبدالرحمن أبوزهرة وعزت أبوعوف وسلمى العدل وأحمد كمال، نحن أمام نجوم، ووسط أداء مبدع لمجموع من النجوم، فالفكرة التى تقوم على زرع ضابط وسط عالم تجارة المخدرات، بشكل يفرض عليه أن يكون تاجر مخدرات ومجرما بكل التفاصيل، وتتغير الأحوال ويتم نسيانه فيدخل فى تقاطعات وخطورة ومطاردة تجعل من الصعب عودة يحيى المنقبادى للعالم الطبيعى بصعوبة.
طبعا هناك أعمال قوية لداود عبدالسيد، «أرض الأحلام، ورسائل البحر» قدرات غير عادية، «الصعاليك» أول أعمال داود، وطبعا «مواطن ومخبر وحرامى»، الذى يقدم خلطة بين الدراما والكوميديا، ويقدم داود كلا من صلاح عبدالله وشعبان عبدالرحيم فى أدوار مهمة وجديدة، بل إن شعبان عبدالرحيم المطرب الشعبى التلقائى يبدع فى دور الحرامى، مثلما يبدع صلاح عبدالله بدور المخبر، والفيلم يحتوى على كوميديا من نوع خاص.
الشاهد أن داود عبد السيد مخرج مبدع، كان يشارك فى كتابة أفلامه، ويقدم فلسفته وأفكاره العميقة والإنسانية، ويلتقط هذه التفاصيل من النفوس والقلوب، بشكل مبدع لأفكار عالمية، أو يخلط التفاصيل بشكل مبدع، وهو الذى قطع مسافة كبيرة مساعدا للمخرج، وهى مهنة لم يحبها لكنها أجادها بالفعل.
برحيله تطوى صفحة من الإبداع، يعوضها أن أعماله لا تزال تمثل نماذج لسينما جميلة، وإبداع مثقف، ما يضع داود ضمن الكبار فى عالم السينما المتسع والجميل، كأحد منتجات قُوى مصر الناعمة المثقفة.

مقال أكرم القصاص