تواجه أوروبا اليوم أزمة ديموجرافية غير مسبوقة، مع اقتراب القارة من مرحلة تاريخية من الانكماش السكاني قد تعيد تشكيل اقتصادها ومجتمعاتها بالكامل.
وفق بيانات حديثة، يقف الاتحاد الأوروبي على أعتاب أول تراجع سكانى منذ الطاعون الأسود في القرن الرابع عشر، مع توقع أن يبلغ عدد السكان ذروته قبل أن يبدأ مسار الانحدار طويل الأمد، بفعل انخفاض معدلات الخصوبة الذي يؤثر مباشرة على المواليد.
مخاوف من تداعيات تراجع نسبة الخصوبة فى أوروبا
تثير هذه الأزمة مخاوف كبيرة بشأن تقلص القوى العاملة، وارتفاع أعباء الشيخوخة، وزيادة الضغط على أنظمة التقاعد والرعاية الصحية، واحتمالات تباطؤ النمو الاقتصادي. وقد دخلت الحكومات الأوروبية في سباق محموم لتجربة كل ما هو ممكن: حوافز مالية، إعفاءات ضريبية، إجازات مدفوعة، وقروض سكنية، في محاولة لإقناع الأسر بـ إنجاب المزيد من الأطفال، إلا أن النتائج جاءت محدودة حتى الآن.
المجر .. أبرز أمثلة على الحوافز المالية
وتعد المجر مثالًا صارخًا على حدود هذه السياسات، فقد أنفقت نحو 5% من ناتجها المحلي الإجمالي على دعم الأسرة، بما في ذلك إجازات مدفوعة للأجداد، وقروض سكنية ميسرة، وإعفاءات ضريبية مدى الحياة للأمهات، إلا أن معدلات الخصوبة عادت للتراجع إلى 1.39 طفل لكل امرأة بحلول 2024، قريبًا من متوسط الاتحاد الأوروبي البالغ 1.38.
فشل الحوافز
يرجع فشل الحوافز جزئيًا إلى عوامل هيكلية وشخصية؛ ارتفاع تكاليف المعيشة والسكن، وتأخر سن الزواج، وتغير أنماط العلاقات، وانتشار وسائل منع الحمل، وتعليم ومسارات مهنية أقوى للنساء، كلها تجعل قرارات الإنجاب أمورًا شخصية يصعب على السياسات التأثير فيها.
القارة العجوز
تؤكد الأزمة أن الأموال وحدها لا تكفي، فالمطلوب إعادة التفكير في نماذج العمل والسكن، والتوازن بين الحياة المهنية والأسرية، ومستقبل الدولة الاجتماعية. وبينما تتحضر أوروبا لمواجهة واقع «القارة الشائخة»، يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستنجح الحكومات في إقناع الأجيال الجديدة بالإنجاب، أم أن أوروبا تدخل عصرًا تقل فيه أعداد السكان وتتغير معه ملامح القارة إلى الأبد؟