مناخ الجزيرة العربية.. هل كانت منطقة سيول قبل الإسلام؟

السبت، 13 ديسمبر 2025 10:00 م
مناخ الجزيرة العربية.. هل كانت منطقة سيول قبل الإسلام؟ المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام

محمد عبد الرحمن

تكشف النصوص الشعرية والجغرافية والروايات القديمة، صورة مختلفة تمامًا لمناخ الجزيرة العربية عمّا نعهده اليوم. فالمناخ الذي يبدو اليوم صحراويًا جافًا في أغلبه، كان في العصر الجاهلي أكثر رطوبة وغزارة في الأمطار، ويمتاز بانتشار السيول الدافقة والعيون الدائمة والمزارع الواسعة التي كانت تزيّن مناطق تعتبر اليوم شديدة الظمأ.

وبحسب كتاب "المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام" للباحث والمفكر الكبير جواد علي أن الجزيرة العربية لم تكن دائمًا بالصورة الصحراوية الجافة التي نعرفها الآن، بل كانت في عصور قريبة من الجاهلية أكثر مطرًا وخصبًا، وتزخر بالعيون الجارية والمزارع والأنهار الموسمية.
ومع تراكم التغيرات المناخية عبر القرون، تغيرت بيئة العرب تغيرًا جذريًا، حتى أصبحت الجزيرة من أكثر مناطق العالم جفافًا، ويقدّم هذا التحول درسًا مهمًا في فهم العلاقة بين الإنسان والبيئة، وكيف يمكن للمناخ أن يعيد تشكيل الحضارات وأنماط الحياة على المدى الطويل.

الأمطار بين الماضي والحاضر.. غزارة اندثرت

يرى جواد علي أن الشعر الجاهلي يحمل في طياته أكبر دليل على اختلاف طبيعة الأمطار. فالشعراء الجاهليون لم يكتفوا بإشارات عابرة، بل قدّموا أوصافًا دقيقة لسيول جارفة وأمطار مستمرة تُغرق الأودية وتقطع الدروب، مما يدلّ على أن هذا المشهد كان مألوفًا لديهم، لا استثناءً نادرًا.

هذه الصورة تتعارض بوضوح مع واقع الأمطار اليوم، التي أصبحت موسمية، محدودة، وغير قادرة على تشكيل شبكة الأودية القديمة التي لا تزال آثارها مطمورة في جبال السراة والحجاز.

الأودية الغائرة.. ذاكرة مائية عمرها قرون

يستشهد جواد علي بما وضعه الهمداني في "صفة جزيرة العرب" من وصف دقيق لأودية السراة وما يتفرع منها من مساييل مياه، في صفحات تمتد من 71 إلى 78. تلك الأودية التي يصفها الهمداني بأنها غائرة، ذات مجارٍ واسعة، تشهد على أنها كانت - في زمن قريب من الجاهلية - ممرات لمياه غزيرة تتدفق بانتظام.

ويضيف المؤلف إشارات أخرى في الصفحات (214 وما بعدها)، تُبرز كثافة الشبكات المائية التي تبدو اليوم جافة تمامًا، رغم وضوح ملامحها الطبوغرافية التي لا تتكون إلا بفعل جريان طويل الأمد.

رياح الشمال الغربي.. سلوك مناخي تغير عبر الزمن

ينقل جواد علي عن بعض العلماء رأيًا مهمًا حول التغيّرات المناخية، مفاده أن الرياح الغربية التي تحمل أمطارًا إلى سورية وفلسطين كانت تصل في الأزمنة القديمة إلى عمق الجزيرة قبل أن تفقد رطوبتها. وهو ما يشير إلى نمط مناخي مختلف جذريًا عمّا نعرفه اليوم، حيث تتبدد الرطوبة قبل وصولها إلى المناطق الداخلية.
ويؤكد جواد علي أن هذه التغيرات ليست مجرد تفسير جوي؛ بل تدعمها الشواهد الأدبية والجغرافية التي عاشها العرب في أواخر العصر الجاهلي نفسه.

شهادة التاريخ القديم.. أنهار وموسمان زراعيان

وفي دليل بالغ الأهمية، يستشهد "المفصّل" بما أورده المؤرخ الإغريقي ديودوروس الصقلي في القرن الأول قبل الميلاد. إذ وصف شمال الجزيرة بأنه: تتخلله أنهار كثيرة، وتهطل عليه أمطار غزيرة صيفًا، وويتمتع السكان فيه بموسمين زراعيين في السنة الواحدة

هذه الشهادة الخارجية، القادمة من مؤرخ لم يكن جزءًا من البيئة العربية، تمنح مصداقية إضافية لما ورد في الشعر والنصوص المحلية.

العيون الدائمة والقرى الزراعية.. ثراء مائي اندثر

من الشواهد التي يوردها جواد علي ما ذكره عرام السلمي في وصفه لعدد من القرى الزراعية:
رضوى وعزور: جبال تجري فيها "مياه أوشال" تنبع من أعماق لا يُعرف مصدرها.

ينبع: قرية غنّاء، مليئة بالعيون العذبة دائمة الجريان، ومزارع واسعة تروى من عين تخرج من جوف الرمال.

الصفراء: مدينة كثيرة النخيل والعيون التي “يجري ماؤها إلى ينبع”.

السوارقية: قرية تزدهر بزراعة أنواع فواكه تحتاج لرطوبة عالية، مثل الموز، التين، الرمان، العنب، السفرجل والخوخ.

هذه الصور تكشف اتساع الرقعة الزراعية في مناطق نعرفها اليوم بأنها قاحلة أو محدودة المياه، مما يدل على ثراء مناخي لم يعد موجودًا.

 

مقارنة شاملة بين المناخ القديم والحديث
 

الأمطار

الجاهلية: غزيرة، موسمية كثيفة، متواصلة في بعض الأعوام

اليوم: متقطعة، قليلة، لا تؤثر كالسابق في تشكيل الأودية

الغطاء النباتي

الجاهلية: مزارع واسعة، أشجار فاكهة متنوعة

اليوم: تركز الزراعة حول مصادر مياه محدودة أو مزارع حديثة معتمدة على الآبار

الجريان السطحي

الجاهلية: سيول جارفة ومجاري طبيعية واسعة

اليوم: سيول غير متكررة، وأودية معظمها جافة طوال العام

الأنماط المناخية

الجاهلية: وصول رياح غربية رطبة إلى عمق الجزيرة

اليوم: انقطاع الرطوبة قبل الوصول، وسيادة الطقس الصحراوي




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة