منذ سنوات بعيدة، عرفت الصديق والمثقف محمد هاشم، والقرب منه لا يحتاج إلى مناسبات أو مقدمات، كل ما أعرفه أننا كنا صديقين حميميين، نتبادل الذكريات والأحاديث، لا تفارقه ابتسامته، تجد نفسك مثل آلاف الناس صديقا له، واحدا من أسرته، نغيب أو نبتعد ونقترب ونلتقى كأننا دائما معا، الود كما هو.
محمد هاشم طنطاوى، ينتمى إلى محافظتى، الغربية، ويحبها ويحكى عنها، ولا ينقطع، بالرغم من أنه جاء إلى القاهرة صغيرا، وعاش فيها وسافر وتغرّب وتعرف على آلاف، لكنه بقى طوال الوقت يحن إلى مسقط رأسه، وإلى شقيقاته والبلد، مثلما كان الفنان العظيم والرسام العبقرى أحمد حجازى، عاش عقودا وترك القاهرة إلى طنطا حيث رحل.
طنطا لمحمد هاشم، ولى، كانت موضوعا مشتركا للحديث والحنين، سرت إلى محمد هاشم فى كل مقرات دار ميريت، بدأت بشارع «الأنتكخانة» المكان الذى ظل خلال ما بعد 25 يناير مركزا للأفكار والغناء والشعر، مكانا نذهب إليه لنلتقى الأحبة الكبار، أحمد فؤاد نجم، سيد حجاب، خيرى شلبى، إبراهيم أصلان، إبراهيم عبدالمجيد، وكل المبدعين نستمع ونستمتع ونتحدث، ونأخذ كتبا وودا وروحا عظيمة، أذهب مع إبراهيم داود، ونبيل عبدالفتاح، ومحمد سلطان وحمدى عبدالرحيم، أو ألتقيهم هناك، أو نلتقى بوسط البلد، التقيت بأصدقاء كثيرين، مثقفين وأرواح عظيمة، إيهاب عبدالحميد، وأحمد اللباد، وحمدى أبوجليل، وأشرف عبدالشافى، وكريم السقا، وإبراهيم عبدالفتاح، وحنان كمال، وعشرات الشعراء والروائيين والقصاصين والمغنين والمسرحيين والنجوم والمجهولين بالنسبة لى، لكن أغلبهم كانوا يحملون روحا حرة، وأملا وطموحا وأحزانا.
عند «هاشم» قابلت زملاء وأصدقاء وعابرين، بعضهم رحل والبعض باق، محمد هاشم يجمع الكل، ويكاد يكون التعبير الأدق أنه «شخصية عامة» ومعه دار ميريت التى كانت مكانا عاما، لا يتوقف عن النبض والإشعاع، ولم يكن غريبا أن تعرف أن عشرات الآلاف من المثقفين شرق مصر وغربها، وكل أركان القاهرة والمحافظات أصدقاء لهاشم وميريت، مكان مُرحّب، إنسانى، لا أحد يسأل أحدا عن اسمه او وجهته، أو اتجاهه، أو صنعته، أو أيديولوجيته، يستمع ويتحدث أو يصمت، والكل يحترم أفكاره ويظلل على الجميع.
محمد هاشم المولود عام 1958، عمل ناشرا وسافر وعاد وتغرب حتى عام 1998، افتتح دار ميريت، والتى تحولت إلى مركز إشعاع ثقافى، ينشر الكلمة الحلوة، الفكرة، الشعر، والترجمة، الأفكار ذات الاجنحة، والفكرة أيا كان كاتبها، لمع لديه كثيرون إلى النجومية، بعضهم ظل على العهد، والبعض لم يحفظ الجميل، ومع هذا لم يكن لدى هاشم وقت للعتاب، فقط يطلق ما فى نفسه، ببساطة ووضوح، يختلف ويصفو، ويعود كما هو دائما يظلل على العالم من حوله، ويواجه الأزمات بتحد وابتسامة وصبر مناضل ويقين مثقف حر.
لا اظن أن هناك مثقفا لم يقترب أو يتعرف أو يجلس عند محمد هاشم، يأكل ويشرب ويشعر بالألفة والود والصحبة والونس، بجانب أنه يخرج بكتب ودواوين، يحرص هاشم على منحها لمن يحبهم ويريد التعبير لهم عن مشاعره الفياضة، ويظل محمد هاشم علامة من علامات الثقافة المصرية، منذ جاء من طنطا بدلتا النيل وتنقل بالحياة، لكنه لم يتخل عن دأبه وصبره وابتسامته وحريته.
قبل ساعات كتب «بوست» عن إصابته بأنفلونزا منعته من حضور خطوبه ابنته، كتبتُ له أتمنى له السلامة، لكنه رحل مثلما دخل العالم، مبتسما، ودودا، محبا للجميع، يستوعب العابرين والأصدقاء حرا طليقا كما يليق بمثقف كبير، وشخصية عامة ترفرف على العالم، وتقلل وحشته، كنت محظوظا كغيرى أن تعرفت على كل هذا الجمال فى عالم وسط البلد، وهاشم الذى استوعب أجيالا وصادق الجميع.