كانت الساعة السابعة مساء حين استعدت قوة أمريكية لشن عملية مداهمة للقبض على أهم مستهدف فى العراق، حسبما يذكر «جون نكسون» فى كتابه «استجواب الرئيس»، ترجمة، إياد أحمد، كان المستهدف هو الرئيس العراقى صدام حسين الذى يقود المقاومة السرية ضد الاحتلال الأمريكى للعراق منذ أبريل 2003.
كان «جون نكسون» يعمل فى وكالة المخابرات الأمريكية منذ 1998 محللا ضمن «مجموعة الشأن العراقى»، وتخصص فى دراسة «صدام»، وفى 2003 انتقل للعمل على أرض العراق، واستجوب صدام بعد القبض عليه، ويكشف فى كتابه الأسرار التى أحاطت بهذه العملية، مؤكدا أن أفرادا من القوات الخاصة قبضت على «محمد إبراهيم عمر المسلط»، رئيس حراس صدام الشخصيين خلال الفترة التى تلت سقوط بغداد، وبعد القبض عليه حاول التأكيد على أنه لا يعرف مكان وجود صدام، لكن إغراء جائزة الـ25 مليون دولار لمن يعرف مكانه تفوق على الولاء الشخصى، فقاد إلى مخبأ صدام، وهى المزرعة ذاتها التى اختبأ فيها عام 1959 بعد اشتراكه فى محاولة اغتيال الرئيس العراقى عبدالكريم قاسم».
يؤكد «نكسون» أنه سئل من اثنين من قياداته بوكالة المخابرات فى مكتبها بالعراق: «إن كان عليك أن تتعرف إلى صدام فكيف ستقوم بذلك؟ أجاب: سأبحث أولا عن وشوم تظهر انتماءه إلى قبيلة البونصر، كان واحدا منها على ظهر يده اليمنى بين السبابة والإبهام، والآخر أسفل رسغه الأيمن»، يضيف: «كان الوشم سلسلة نقاط بعضها فى خط مستقيم، وبعضها على شكل مثلث، بالإضافة إلى ما يشبه هلالا، وساقه تحمل أثر جرح أصيب به أثناء محاولة اغتيال عبدالكريم قاسم، كما كانت شفته السفلى متدلية قليلا، ربما بفعل عمر قضاه فى تدخين السيجار».
يذكر «نكسون» أن من بين ما أثير معه مسألة «شبيه صدام»، قيل له: «علينا أن نتأكد من أن هذا هو صدام بالفعل وليس أحد بدائله الذين يشبهونه، فلن نخبر واشنطن والعالم بأننا قبضنا على صدام إلا بعد تيقننا من أن الرجل لم يكن بديلا مشابها؟ يسخر «نكسون» من مسألة شبيه صدام، قائلا: «كانت فكرة البديل أسطورة مزمنة بين الأساطير المحيطة بصدام، وكانت مصدر خلافات ومزاح ضمن حلقة متابعيه»، ويكشف: «بعد بضعة أسابيع وأثناء استجوابنا الرسمى لصدام، سألناه إن كان يوما استخدم بديلا عنه، فضحك وقال لنا: كيف تعرفون أنكم لا تتحدثون مع أحدهم الآن؟ قد أكون أنا البديل، بينما يكون صدام الحقيقى مختبئا، ثم ضحك ثانية بصوت عال وقال: «كلا. لا يوجد غير صدام حسين واحد».
يكشف «نكسون» أنه تم الطلب منه بأن يقوم بإعداد قائمة بأسئلة لا يعرف إجاباتها غير صدام وحده، وقيل له: «نريد منك أن تذهب لتتأكد من أن الرجل الذى قبضنا عليه هو بالفعل صدام»، يضيف: «أبلغونى بأن القوات العسكرية كانت تقوم بنقل «صدام المفترض» جوا فى تلك الليلة إلى المطار، وبأن التحقق من هويته سيتم هناك»، ويذكر «نكسون» تفاصيل كثيرة عن ساعات انتظاره فى مكان لقاء صدام، وبعدها: «انفتح الباب فجأة، فشهقت حين شاهدته، وهو جالس على كرسى معدنى، يرتدى دشداشة وسترة زرقاء مبطنة، كانت ليلة شتوية باردة، كنت رأيته لسنوات عديدة فى الصور وتسجيلات الفيديو فخطر لى: ياللهول إنه صدام».
كان «نكسون» يقود طاقما من خمسة أشخاص، وتكلم من خلال المترجم، ويكشف، سألته أولا: «متى كانت المرة الأخيرة التى رأيت فيها ولديك على قيد الحياة؟ أصغى وتبسم قليلا ثم عاد لينظر إلى وقال: من أنتم؟، هل من الاستخبارات العسكرية، أم من المخابرات؟، يؤكد «نكسون»: «كنت أتوقع أن يكون صدام متحديا، لكن إجابته فاجأتنى بعدوانيتها، بدا غير مكترث وهو يستمع إلى أسئلتنا وأعجبتنى سرعة تأقلمه مع محيطه الجديد، ومع وضعه الجديد كأسير، فبدا وكأنه يرتاد هذا المكان مساء كل سبت، وأن الوضع جزء من روتينه المألوف». يضيف «نكسون»: «لاحظت على الفور الوشم القبلى على ظهر يده اليمنى وعلى أسفل رسغه الأيمن، وكان فمه متدليا قليلا كما كنا نراه فى الصور والفيديوهات، كان علىَّ أن أرى أثر الجرح الذى تركته الرصاصة فى 1959، وأن أستمع إلى إجاباته على أسئلتى، أجاب بصدق، أو فى الأقل على تلك التى قبل الإجابة عليها، لم يقل شيئا عن كيفية خروجه من بغداد، ولا عمن ساعده فى ذلك، كان يدعى أنه لا يفهم ما الذى يجعلنى أسأله هذه الأسئلة، قائلا: لماذا لا تسألنى عن السياسية؟ يمكنك أن تتعلم الكثير منى».
يذكر «نكسون» أن صدام ندد بالمعاملة الخشنة التى تعرض لها وقت القبض عليه، وبدأ يشير إلى جروح وخدوش، ثم رفع ثوبه ليرينا ساقه اليسرى المتضررة، رأيت أثر جرح قديم وسألته ببراءة، إن كان ذلك هو الجرح الذى أصيب به فى محاولة اغتيال عبدالكريم قاسم، أقر بذلك فتجمعت كل البراهين المطلوبة، وعاد «نكسون» إلى مقر الوكالة عند الفجر، وأكد لواشنطن أن المقبوض عليه صدام حسين، فتم إعلان الخبر يوم 13 ديسمبر «مثل هذا اليوم 2003».