<< التحليل الطبي الصادم.. ضمور العصب البصري وعجز النظام الصحي عن التدخل
<< نداء أم فلسطينية: أمل العلاج خارج القطاع لإنقاذ ما تبقى من بصره
<< صحة غزة: الأوضاع الإنسانية داخل القطاع تتطلب استجابة طارئة لإدخال الإمدادات الطبية الضرورية
بين ركام العدوان ورائحة الدمار التي تملأ المكان، يقف الطفل الفلسطيني علي أبو صبحة، ذو الثمانية أعوام، في مواجهة مصير قاس أكبر من طفولته بكثير، صاحب العيون الخضراء الجميلة التي طالما أضاءت وجهه بالبراءة، يقف اليوم على حافة فقدان بصره بالكامل، بعدما خطفت الحرب على غزة من عينيه القدرة على رؤية العالم.

الطفل الفلسطيني على أبو صبحة
بحسب عائلته، فقد علي الرؤية في عينه اليسرى بشكل كامل بعد سقوطه من مكان مرتفع أثناء محاولته تعبئة المياه لأسرته، في لحظات من الفوضى والخوف أعقبت قصفا إسرائيليا طال المنطقة التي كان يتواجد فيها، لم يكن الصغير يطلب سوى القليل من الماء، لكن القصف حول خطواته البريئة إلى جرح غائر لا يندمل.
عين على أبو صبحة اليمنى، تمثل نافذته الأخيرة إلى الحياة، إلا أنها أصيبت بضعف شديد بعد تعرضه لسقوط مؤذ وهو في طريقه لحفظ القرآن الكريم، لتحمل هي الأخرى خطر الفقدان، وفق تحذيرات الأطباء الذين يتابعون حالته وسط شروط صحية مأساوية.

على أبو صبحة وعينه المصابة
وتظهر التحاليل الطبية التي أجريت للطفل وجود ضمور خطير في العصب البصري للعين اليسرى، فيما تعجز المنظومة الصحية في غزة عن تقديم العلاج اللازم أو إجراء العمليات المطلوبة بسبب خطورة حالته ونقص الإمكانات والأجهزة الجراحية، فيما تخشى أسرته من أن ينتقل تأثير الضرر من العين اليسرى إلى اليمنى، ما يعني أن علي قد يُحرم من ضوء يومه الأخير ويدخل إلى عتمة لا عودة منها.
صراع من أجل الإبصار
وبين الخوف والأمل، تقف أسرة علي أبو صبحة عاجزة أمام واقع مؤلم لا يترك للأطفال حقا في النجاة، فبينما تتسابق الأزمات ويتزايد التعنت الإسرائيلي، يجد الطفل نفسه يصارع كي يتمسك ببقايا بصره، وبحلمه البسيط أن يواصل حفظ القرآن وينظر إلى وجه أمه دون خوف من أن يتلاشى آخر خيط من الضوء أمام عينيه.
انهيار الوضع الصحى بغزة
وفي 12 أكتوبر الماضي، أكدت وزارة الصحة في غزة، أن الأوضاع الصحية والإنسانية داخل القطاع تتطلب استجابة طارئة لإدخال الإمدادات الطبية الضرورية، خاصة أن آلاف المرضى والجرحى بحاجة عاجلة إلى أماكن مؤهلة لتقديم الرعاية الصحية لهم.

الطفل على أبو صبحة
وأضافت الوزارة في بيان لها، أن توقف الخدمات التخصصية والتشخيصية يفاقم الوضع الصحي ويعوق التدخلات الجراحية المعقدة، وتعزيز ما تبقى من مستشفيات عاملة في القطاع أولوية قصوى ولا يحتمل انتظار مزيد من الوقت.
وقبلها بـ24 ساعة، أكد المدير العام لوزارة الصحة في غزة، أنهم يسعون إلى إعادة الحد الأدنى من الخدمات الصحية في القطاع، متابعا :"نعمل حاليا على رفع واقع القطاع الصحي وحصر حجم الأضرار، وهناك 17 ألف مريض بحاجة إلى السفر فورا".
أم فلسطينية تناشد لإنقاذ بصر طفلها
بصوت مثقل بالخوف وملامح أم منهكة من الحرب والقلق، تروي والدة الطفل الفلسطيني علي أبو صبحة في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، تفاصيل إصابة ابنها والذي يقف اليوم على حافة فقدان بصره بالكامل، بعد أن تحولت طفولته إلى معركة مؤلمة مع الضوء والظلام.
تقول الأم وقد خنقتها الدموع: "ابني أصيب في عينه وفقد البصر فيها نهائيا خلال فترة الحرب، إثر استهداف وقع في منطقة نزوحنا، ولم يكن يحمل شيئا سوى طفولته، لكن القصف حرمه من رؤية العالم بعينه اليسرى إلى الأبد."
وتضيف أن مأساة ابنها لم تتوقف عند هذا الحد، فبعد أسابيع فقط، وبينما كان يتوجه لتحفيظ القرآن الكريم في أحد المصليات القريبة من المنزل، تعرض لسقوط جديد أصاب عينيه الثانية، لتبدأ مرحلة أخرى من الرعب، قائلة :"أثناء توجهه للتحفيظ، أصيب في عينه الثانية، وهذا الأمر تسبب له بضرر خطير، ونحن الآن نعيش حالة تخوف شديد على بصره بشكل كامل، والأطباء يقولون إن العين اليمنى مهددة، ولا نعرف ماذا ينتظر علي غدًا."
وتشير الأم إلى أن التحاليل الطبية كشفت عن ضمور حاد في العصب البصري للعين اليسرى، بينما تعجز الطواقم الطبية في غزة عن التدخل الجراحي بسبب نقص المعدات والظروف الصحية المنهارة في القطاع.
وتتابع :"حصلنا على تحويلة طبية لعلاج علي خارج القطاع، وهذا أملنا الوحيد الآن لإنقاذ ما تبقى من بصره، وكل ما أريده هو أن يرى ابني وجهي ووجوه أشقائه، وأن لا يعيش بقية طفولته في ظلام تام."
وبين الواقع المؤلم والرجاء الصامت، تبقى قصة علي أبو صبحة واحدة من قصص كثيرة لأطفال دفعوا ثمن الحرب بأجسادهم الصغيرة، وأمهات يحملن وجعا يفوق قدرة الكلمات على وصفه.