وحده هو نجيب محفوظ القادر على إثارة الأوساط الثقافية حتى بعد الغياب. فرغم رحيل أديب نوبل منذ 19 عامًا، لا يزال هو الكاتب العربي الأوفر شهرة ومكانة في تاريخ الأدب العربي المعاصر، هو الوحيد القادر على لفت الأنظار حتى وهو غائب، والأوحد القادر على صنع حالة من الجدل دائمًا ومنافسة الجميع شهرةً وإبداعًا حتى وهو في عالم المغيب.
شخصية معرض القاهرة الدولي للكتاب 2026
عاد اسم الأديب العالمي نجيب محفوظ إلى الواجهة مرة أخرى بعد اختياره من قبل اللجنة الاستشارية العليا لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته السابعة والخمسين ليكون شخصية المعرض للمرة الأولى منذ إطلاق هذا التقليد السنوي لأول مرة عام 2014، وللمصادفة كان ذلك في عهد الدكتور أحمد مجاهد رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب الأسبق، والمدير التنفيذي الحالي للمعرض.
أهمية اختيار محفوظ وشعاع ثلاثيته المستمر
بالتأكيد، إطلاق اسم نجيب محفوظ بوزنه العالمي وقيمته الإبداعية التي لا يضاهيها أحد مصريًا وعربيًا سوى عميد الرواية العربية الدكتور طه حسين، وإن كان الأول يتفوق في حقل الرواية، يعطي للمعرض الأهم عربيًا وإفريقيًا زخمًا كبيرًا. فالحديث عن صاحب "الثلاثية" لا يتوقف. ورغم كثرة الدراسات النقدية التي تناولت أعماله، تبقى هناك مناطق لم تُقتحم بعد في عوالمه السردية. فالأدب المحفوظي دائمًا ما يحمل الجديد عند قراءته وعند التأمل فيه نقديًا.
جدل حول الاختيار.. بين التكرار والانصاف
لكن هناك البعض الذين اختلفوا حول الاختيار، ليس تقليلًا من قيمة أديب نوبل، بل لأنهم يرون أن محفوظ تم الاحتفاء به من قبل في معرض القاهرة الدولي للكتاب، وأن الفرصة ربما كانت مواتية للاحتفاء بأدباء وشخصيات أخرى أثرت الأدب العربي المعاصر، إلا أن هؤلاء غفلوا عن أن تقليد اختيار شخصية أدبية أو فكرية للمعرض، وهو تقليد بدأ قبل أحد عشر عامًا فقط، لم يشهد اختيار نجيب محفوظ من قبل، رغم اختيار بعض مجايليه مثل عبد الرحمن الشرقاوي عام 2018، وبعض حرافيشه مثل جمال الغيطاني 2016، بينما العربي الوحيد الحاصل على نوبل لم يُختَر اسمه لدورة المعرض من قبل.
احتفاءات قديمة.. لكنها ليست "شخصية العام"
الاحتفاء الأول بصاحب "الحرافيش" في معرض القاهرة الدولي للكتاب كان عام 1989، بعد أربعة أشهر فقط من فوزه بجائزة نوبل، وجاء وقتها في صورة محور فكري ضمن برنامج الندوات، قبل ظهور تقليد "شخصية المعرض".
ثم في عام 2009، بعد عشرين عامًا، جرى الاحتفاء بكل من نجيب محفوظ والمفكرة الراحلة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) تحت عنوان "شخصية العام"، وهو تقليد كان قد بدأ فقط في العام السابق 2008 عندما اختيرت سهير القلماوي، أول مدير للمعرض عند تأسيسه، شخصيةً للعام، وكان الاحتفاء أيضا بوضع محورًا فكريًا ضمن العديد من المحاور الثقافية عند أديب محفوظ، لكن لم تخصص دورة كاملة للاحتفال بصاحب الثلاثية، وتأجل الأمر أكثر من مرة، بينما كان بداية تقليد اختيار شخصية المعرض من بداية عام 2014، كما ذكرنا من قبل، وتم اختيار اسم عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين ليحمل اسم معرض الكتاب.
عام نجيب محفوظ المؤجَّل
ربما الاحتفاء الذي يستحقه نجيب محفوظ لم يتم كما يجب، أو لم يتم على الإطلاق، إن صح التعبير، ففي عام 2011 جرى تخصيص سنة كاملة تحت عنوان "عام نجيب محفوظ" احتفالًا بذكرى مرور خمسة أعوام على رحيله ومائة عام على ميلاده، وكان من المقرر أن يحتفل المعرض به احتفالًا ضخمًا يبدأ في 29 يناير 2011، لكن تم إلغاء المعرض آنذاك.
وتُعد هذه السنة الوحيدة التي توقّف فيها معرض القاهرة الدولي للكتاب منذ تأسيسه عام 1969. ومنذ ذلك الوقت لم يُستكمل الاحتفال بنجيب محفوظ وتأجلت مئويته الأولى.
سؤال مسكوت عنه.. أليس محفوظ أحقّ بالاحتفاء؟
فهل لا يستحق صاحب الإنجاز العربي الوحيد عالميًا، والحاصل على أرفع جائزة أدبية في العالم، جائزة نوبل في الأدب عام 1988، أن يُحتفى به مصريًا وعربيًا كما ينبغي؟ وهل تأخر هذا الاحتفاء عقودًا رغم حجمه وأثره يعطي المبرر أمام عدم الاحتفال به الآن بعد عشرين عامًا على رحيله، ونحو 115 على ميلاده؟
أسئلة قديمة تجددت اليوم بعد اختيار صاحب الثلاثية شخصية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته السابعة والخمسين، غير أن حضور نجيب محفوظ يظل دائمًا أكبر من أي أحد، وأقوى من غيابه.