لم يكن شاعر النيل حافظ إبراهيم يدرك أن قصيدته التى ألقاها قبل مائة عام من الآن، احتفالا بعودة عدلى باشا يكن رئيس الحكومة عام 1921 بعد أن قطع مفاوضاته مع وزير الخارجية البريطانى اللورد كورزون، يمكن أن تكون قصيدة عابرة للزمان والمكان معا.
كل من يتأمل ويتدبر كلمات قصيدة "مصر تتحدث عن نفسها" يجد نفسه أمام عمل يصلح لكل الأزمة وكأنه يرد على كل مدعى يريد أن يقلل من عظمة هذا البلد: (وَقَفَ الخَلقُ يَنظُرونَ جَميعاً كَيفَ أَبني قَواعِدَ المَجدِ وَحدي .. وَبُناةُ الأَهرامِ في سالِفِ الدَهرِ كَفَوني الكَلامَ عِندَ التَحَدّى).
أي روعة تلك.. وأي عظمة يمكن أن تنافس عظمة مصر الشامخة عبر العصور، بحضورها ومحوريتها..
مجرد محاولة منافسة مصر وتاريخها وعمقها الحضاري، هو أشبه بالانتحار لأننا ببساطة أمام أعمق حضارة في التاريخ، ومهما أوتيت دول وممالك من إمكانات مادية أو مكانة سياسية، لا يمكن لها أن تشتري الحضارة، لأن الحضارة ببساطة، هي فعل تراكمي بني عبر آلاف السنين.
الاحتفالية العالمية، التي شهدتها مصر في افتتاح المتحف المصري الكبير، عكست مكانة الدولة المصرية ومحوريتها عبر التاريخ كحاضنة لأقدم حضارة عرفتها البشرية، فعلى أرضها، خُطَّت أولى الحروف، وتكونت ملامح الفن والفكر والكتابة والعقيدة.
وقف العالم بأسره يشهد ميلاد صرح ثقافي يعد الأكبر من نوعه المخصص لحضارة واحدة هي الحضارة المصرية القديمة.
في كلمته خلال الافتتاح أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن الحضارة المصرية ليست مجرد فصل من الماضي، بل هي طاقة حيّة تلهم العالم حتى اليوم، لكني أتوقف أمام فقرة محددة: "على أرض مصر أقدم دولة عرفها التاريخ، هنا حيث خطت الحضارة أول حروفها وشهدت الدنيا ميلاد الفن والفكر والكتابة... نكتب فصلًا جديدًا من تاريخ الحاضر والمستقبل."
المتحف المصري الكبير يمثل امتدادًا لتاريخ مصر الممتد عبر آلاف السنين، وكما ذكر الرئيس فإن صروح الحضارة تُبنى في أوقات السلام وتنمو بروح التعاون بين الشعوب، فالمتحف ليس مجرد مخزن للآثار، بل رسالة إنسانية وثقافية عالمية.
النقلة السياحة الثقافية والأثرية كبيرة لأبعد الحدود، وهو ما أكده الدكتور أحمد غنيم، الرئيس التنفيذى لهيئة المتحف المصرى الكبير، فى الحديث عن أن افتتاح المتحف يمثل نقطة تحول فى حركة السياحة الثقافية داخل مصر، وأنه سيُسهم بشكل مباشر فى زيادة عدد الزائرين من مختلف دول العالم.
كذلك فإن الموقع الفريد للمتحف وشبكة النقل المتنوعة التي تربطه بالمناطق السياحية والمطارات، تجعل منه مركز جذب عالمي يسهل الوصول إليه، كما أن المتحف يجمع بين عراقة الحضارة المصرية وروح الحداثة في تصميمه وتقنيات العرض المستخدمة داخله، مؤكدًا أن قاعات العرض الشاسعة، والتقنيات المتطورة، والاهتمام بالتفاصيل، تضع المتحف في مكانة تنافس كبرى المتاحف العالمية بل وتتفوق عليها.
هذا الحدث الكبير على أرض أقدم الحضارات لم يمر مرورًا عابرًا على الصحافة العالمية، بل شكل محور اهتمام واسع، فقد وصفته بأنه "حدث مهيب يعيد لمصر مكانتها الحضارية"، إن المتحف يمثل نقلة نوعية مقارنة بالمتحف القديم في وسط القاهرة، مقدّمًا عرضًا عصريًا متطورًا للتراث المصري.
ووصفت وسائل الإعلام العالمية المتحف بأنه "تحفة معمارية تجسد عظمة مصر"، وأن تصميمه يعكس الهوية المصرية عبر العصور، وأن الافتتاح شهد حضورًا دوليًا واسعًا يليق بمكانة مصر.
الطموح شىء مطلوب، لكن عند المنافسة، لابد وأن ننظر إلى المنافس بعمقه التاريخى والحضارى..!هذه هى الحقيقة.. التى يجب أن يدركها الجميع..
Sherifaref2020@gmail.com