الكنيسة تحيي ذكرى تأسيس الكلية الإكليريكية.. صرح تعليمي أنجب آباء ورعاة وقيادات روحية.. عصر البابا شنودة يشهد التوسع الأكبر وامتداد بالفروع.. وفى عهد البابا تواضروس تطوير أكاديمي وهيكل إداري يليق بتاريخها

الأحد، 30 نوفمبر 2025 02:30 م
الكنيسة تحيي ذكرى تأسيس الكلية الإكليريكية.. صرح تعليمي أنجب آباء ورعاة وقيادات روحية.. عصر البابا شنودة يشهد التوسع الأكبر وامتداد بالفروع.. وفى عهد البابا تواضروس تطوير أكاديمي وهيكل إداري يليق بتاريخها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية

كتبت بتول عصام

في مثل هذا الوقت من شهر نوفمبر من كل عام، تتجدد ذكرى تأسيس أحد أهم الصروح التعليمية واللاهوتية في تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية "الكلية الإكليريكية"، التي لم تكن مجرد مؤسسة علمية، بل مركزًا لتكوين الفكر الأرثوذكسي، وصقل الخدام والكهنة الذين حملوا على عاتقهم خدمة الكنيسة في مراحل مختلفة من تاريخها.

تُعد الكلية الإكليريكية اليوم العمود الفقري للحياة التعليمية الكنسية، فهي مركز إعداد خدام مكرسين، وكهنة، ولاهوتيين، يعكس وجودهم امتدادًا لتاريخ طويل بدأ منذ فجر المسيحية في مصر، حين وضع القديس مارمرقس – كاروز الديار المصرية – اللبنة الأولى للفكر اللاهوتي من خلال المدرسة اللاهوتية السكندرية.

 

جذور تمتد منذ القرن الأول

يرجع الأساس الأول لما يُعرف اليوم بالكلية الإكليريكية إلى مدرسة الإسكندرية اللاهوتية، التي أسسها القديس مارمرقس، وارتبطت بثلاثة إرثيات خالدة: إنجيل مرقس، الليتورجية المنسوبة للقديس كيرلس عمود الدين، والمدرسة اللاهوتية السكندرية.

تعاقب على إدارة المدرسة عدد من أعلام الكنيسة، مثل القديس يسطس – أول مدير للمدرسة والبطريرك السادس للكنيسة – ثم القديس أمونيوس، وبعده مركيانوس. ومن بين خريجي هذه المدرسة العريقة برزت أسماء بحجم القديسين: البابا بطرس خاتم الشهداء، والبابا أثناسيوس الرسولي، والبابا تيموثاوس الثاني، وغيرهم ممن صاغوا ملامح العقيدة الأرثوذكسية ودافعوا عنها أمام العالم.

غير أن المدرسة تعطلت في منتصف القرن الخامس الميلادي بسبب الانشقاق الخلقيدوني، وانتقلت من الإسكندرية إلى الأديرة الشهيرة في وادي النطرون، لا سيما دير القديس مكاريوس، ليصبح هو الوريث الشرعي للتكوين اللاهوتي القبطي.

 

إحياء الفكرة من جديد.. القرن التاسع عشر نقطة تحول

عاد المشروع التعليمي للحياة من جديد في عهد البابا كيرلس الرابع (1853–1862)، المعروف بـ"أبو الإصلاح"، الذي أسس أول نموذج حديث لمدرسة إكليريكية لتدريب رجال الدين، بدايةً من لقاءات أسبوعية، ثم مدرسة في الفجالة عام 1862، لكن التجربة توقفت لاحقًا.

ومع جلوس البابا كيرلس الخامس (1875–1927) على الكرسي، دخلت الكلية مرحلة أكثر نضجًا، إذ أعاد تأسيس المدرسة الإكليريكية عام 1875 بالقاهرة تحت إدارة علماء لاهوتيين مثل القمص فيلوثيئوس إبراهيم، ثم يوسف بك منقريوس، وأخيرًا القديس حبيب جرجس الذي يعد أبرز رواد النهضة التعليمية في تاريخ الكنيسة.

وفي عهده أيضًا تم تأسيس مدارس للرهبان داخل الأديرة، وإرسال بعثات خارجية للدراسة اللاهوتية، إلى جانب إصدار مجلة علمية رصينة قبل توقفها عام 1904.

 

من الفجالة إلى الأنبا رويس

بعد انتقال المدرسة إلى "مهمشة" عام 1904، ثم عودتها مؤقتًا للبطريركية، استقر مقرها أخيرًا في دير الأنبا رويس بالعباسية عام 1951، حيث يوجد المقر الرئيسي حتى اليوم، قبل أن تبدأ مرحلة التوسع الجغرافي في عصر متأخر.

شهدت هذه الفترة دعمًا رسميًا من الدولة، وتم الاعتراف بها كمؤسسة تعليمية، إلى جانب تأسيس جمعية "أبناء الإكليريكية" وربط المناهج التعليمية بالحياة الكنسية الحديثة.

 

محطات التطور في القرن العشرين

استكمالًا للبنية الإدارية، اعتمد المجلس الملي في عهد البابا يوساب الثاني (1946–1956) تحويل المدرسة إلى "كلية"، وتخصيص ميزانية سنوية لها، مع تشكيل مجلس إداري وتنظيم العمل الأكاديمي.

وفي عهد البابا كيرلس السادس (1959–1971)، تم سيامة القمص أنطونيوس السرياني أسقفًا للمعاهد الدينية، الذي صار لاحقًا البابا شنودة الثالث، والذي لعب دورًا محوريًا في توسع الكلية.

 

عصر البابا شنودة الثالث.. الانتشار والنهضة الأكاديمية

يعتبر عصر البابا شنودة الثالث (1971–2012) مرحلة الانتشار الأكبر، إذ أسس فروعًا جديدة عديدة داخل مصر وخارجها، واستكمل تطوير المناهج، وربط التعليم اللاهوتي بالاحتياجات الرعوية للمجتمع المعاصر.

 

في عهد البابا تواضروس الثاني.. جودة وتمكين وبناء علمي

في عهد البابا تواضروس الثاني، تم التركيز على رفع مستوى العملية التعليمية أكاديميًا وإداريًا، من خلال:

- تعيين أساتذة بدرجات علمية معتمدة (ماجستير ودكتوراه)
- تأسيس قسم الدراسات العليا
- إدخال أحدث وسائل التعليم التكنولوجي
- تطوير المكتبات والمعامل وقاعات التدريس
- عقد مؤتمرات طلابية وأكاديمية سنوية

 

هوية ورسالة مستمرة

تتبنى الكلية اليوم رؤية واضحة، تقوم على إعداد لاهوتيين وقادة روحيين متميزين قادرين على خدمة المجتمع والكنيسة في ظل تحديات العصر، مع الحفاظ على التراث الروحي والليتورجي والتاريخي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

 

منذ البدايات وحتى اليوم.. مسيرة لا تنقطع

مرت الكلية الإكليريكية عبر التاريخ بمراحل إغلاق، انتقال، تجديد، وتطوير، لكنها ظلت ثابتة في هدف واحد: تكوين قلب وفكر خادم حقيقي يحمل الإيمان، ويعيش العقيدة، ويخدم بروح الإنجيل.

وفي ذكرى تأسيسها هذا الشهر، يتذكر الآلاف من خريجيها وأبنائها أن هذا الصرح لم يكن مجرد فصول ودروس، بل حياة وتكوين وامتداد لتاريخ يمتد على مدى أكثر من ألفي عام.

 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب