لا شيء يفسد بداية يومك مثل ليلةٍ تمتلئ بالاستيقاظ المتكرر. النوم المتقطع قد يبدو بسيطًا في بدايته، لكنه في الحقيقة أحد أكثر أنماط اضطرابات النوم شيوعًا وتأثيرًا على صحة الإنسان الجسدية والنفسية. فعندما تُقطع دورات النوم باستمرار، يتراجع أداء الدماغ، وتضعف المناعة، وتتأثر الحالة المزاجية بشكل واضح.
وفقًا لتقرير نشره موقع Sleep Doctor، فإن ما يقرب من ثلث البالغين يعانون من الاستيقاظ المتكرر أثناء الليل ثلاث مرات أو أكثر أسبوعيًا، وغالبًا لا يدركون مدى تأثير هذا الخلل في دورة نومهم على صحة الدماغ والجسم. فالنوم الصحي ليس مجرد عدد ساعات، بل هو تتابع من المراحل الطبيعية التي تحتاج إلى الاستمرارية دون انقطاع حتى تكتمل فوائدها.
ماذا يحدث في الدماغ عند النوم المتقطع؟
خلال النوم، ينتقل الدماغ بين مراحل متعددة تبدأ بالنوم الخفيف ثم النوم العميق، وتنتهي بمرحلة حركة العين السريعة (REM) التي تُعد الأهم لعمل الذاكرة وتنظيم العواطف. لكن عندما يستيقظ الإنسان بشكل متكرر، تنكسر هذه الدورات، فيفقد الجسم قدرته على الدخول في مرحلة النوم العميق ويفوته الجزء الأكبر من نوم REM، مما يؤدي إلى تراجع التركيز وضعف القدرة على التذكر في اليوم التالي.
وتشير الأبحاث إلى أن الأشخاص الذين يعانون من نوم متقطع يفقدون جزءًا من قدرتهم الإدراكية كما لو أنهم لم يناموا إطلاقًا. كما أن الدماغ في أثناء النوم يعمل على إزالة السموم مثل بروتين "أميلويد بيتا" المرتبط بمرض ألزهايمر، لذلك فإن قلة النوم أو تقطعه تسهم في تراكم هذه المواد الضارة تدريجيًا.
كيف يؤثر النوم المتقطع على الجسم؟
لا يقتصر أثر اضطراب النوم على الدماغ فقط، بل يمتد إلى الجهاز المناعي والهرموني. فالنوم المتواصل يساعد الجسم على إفراز هرمونات النمو وتجديد الأنسجة وتنظيم مستوى السكر في الدم. وعندما يُقطع النوم مرارًا، يزداد إفراز هرمونات التوتر مثل الكورتيزول، ويضعف أداء جهاز المناعة، مما يجعل الجسم أكثر عرضة لنزلات البرد والالتهابات.
كما يؤدي النوم المتقطع إلى اضطراب في إفراز اللبتين والغريلين، وهما الهرمونان المسؤولان عن تنظيم الشهية، وهو ما يفسر زيادة الوزن أو الرغبة المفرطة في تناول الطعام بعد ليالٍ غير هادئة.
الأسباب الخفية للنوم المتقطع
يُعد التوتر الذهني أحد أبرز أسباب الاستيقاظ أثناء الليل. فعندما يكون العقل مثقلًا بالهموم، يستمر نشاطه حتى أثناء النوم، ما يدفع الجسم إلى اليقظة المتكررة. كما يمكن أن تؤدي بعض الحالات المرضية مثل انقطاع التنفس أثناء النوم أو آلام المفاصل أو مشكلات المعدة إلى تكرار الاستيقاظ دون وعي كامل.
وتشير دراسات أخرى إلى أن العوامل البيئية تلعب دورًا لا يقل أهمية: الضوضاء الخفيفة، أو الإضاءة الزائدة، أو حتى حرارة الغرفة غير المناسبة قد تكفي لقطع دورة النوم. كذلك تؤثر عادات مثل تناول الكافيين أو الكحول في المساء، أو الإفراط في استخدام الأجهزة الإلكترونية قبل النوم، على قدرة الجسم على الاستغراق في نوم عميق.
كيف تستعيد جودة نومك؟
تحسين النوم لا يتطلب حلولًا معقدة، بل تغييرات صغيرة متراكمة. يوصي الخبراء بضرورة الالتزام بموعد نوم واستيقاظ ثابت يوميًا حتى في عطلات نهاية الأسبوع. كما يُنصح بإيقاف استخدام الهاتف أو الحاسوب قبل النوم بساعة على الأقل، لأن الضوء الأزرق يؤخر إفراز هرمون الميلاتونين المسؤول عن النعاس.
ومن المفيد أيضًا ممارسة نشاط بدني خفيف خلال النهار لتحفيز النوم الطبيعي ليلًا، مع تجنب التمارين المجهدة أو تناول الوجبات الثقيلة قبل النوم مباشرة. ويمكن أن يساعد الاستحمام بالماء الدافئ أو قراءة كتاب هادئ على تهدئة الجهاز العصبي استعدادًا للنوم.
أما بالنسبة للبيئة المحيطة، فيجب أن تكون الغرفة مظلمة وهادئة ودرجة حرارتها معتدلة، ويفضّل استخدام وسادة وفراش مريحين يدعمان العمود الفقري. وإذا كان شريكك في السرير يصدر أصوات شخير عالية أو يتحرك كثيرًا، فقد يكون الحل المؤقت هو النوم في غرفة منفصلة حتى تُحل المشكلة الطبية.
متى تلجأ للطبيب؟
إذا استمر النوم المتقطع لأكثر من أسبوعين رغم تعديل نمط الحياة، يُنصح بمراجعة الطبيب لتحديد السبب الحقيقي. فقد تكون هناك اضطرابات مثل انقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم أو القلق المزمن تحتاج إلى تدخل طبي. الطبيب المختص يمكنه طلب فحوصات للنوم في المنزل أو في معمل خاص لتحديد مرحلة الخلل ووصف العلاج المناسب، سواء بالأدوية أو بالعلاج السلوكي المعرفي للأرق.