سامح خضر

المتوقع من الانتخابات الإسرائيلية المقبلة "1"

الإثنين، 03 نوفمبر 2025 07:16 ص


يخطئ من يظن أن الخيارات أمام الناخب الإسرائيلي واسعة ومفتوحة. يوفر المشهد الانتخابي الحالي معطيات مسبقة عن نتائج الانتخابات المقبلة، حيث لم يعد الصراع على مقاعد البرلمان الإسرائيلي "الكنيست" بين يمين ووسط ويسار، بل بين يمين مسياني متطرف يقوده سموتريتش وبن غفير، ويمين متطرف يقوده نتنياهو وليبرمان وبينيت، ويمين الوسط ويمثله لبيد وازنكوت وغانتس، أما اليسار فقد اختفى تماماً من خريطة الانتخابات الإسرائيلية.

توفر الأحزاب الإسرائيلية المتنافسة في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة مجموعة من المعطيات التي يمكن من خلالها استشراف السياسات المستقبلية للحكومة الإسرائيلية بصرف النظر عمن سيتولى قيادتها. فالأحزاب الإسرائيلية ذات الحظوظ الكبرى في الفوز بالانتخابات اختارت جميعها التنصل من أي برنامج سياسي يؤدي إلى أفق لحل الصراع مع الفلسطينيين ووضع حد للاحتلال الإسرائيلي لأراضيهم.

فالليكود الذي يقوده بنيامين نتنياهو انتهج سياسة يمينية واضحة تجاه الفلسطينيين. يعتبر الليكوديون الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية هو أحد وسائل الحفاظ على الأمن، وأن دعم الاستيطان هو وسيلة أخرى من وسائل تعزيز هذا الاحتلال. وبسبب فشل الليكود على مدى عقود في إنتاج بديل لنتنياهو، أصبح الأخير المرشح الوحيد لرئاسة الحزب بلا منافسين حقيقيين، مما يمنحه الحرية الكاملة في الاستمرار بسياسات الحزب الحالية دون أي مجال لتبني نهج سياسي أو أمني مختلف.


احتكر نتنياهو زعامة حزب الليكود تماماً كما احتكر رئاسة حكومة إسرائيل دون منافسة حقيقية ومؤثرة من السياسيين الإسرائيليين. يعود السبب في هذا إلى غياب الطموح السياسي لقادة الليكود البارزين في منافسة نتنياهو. فالرجل الثاني في الليكود إسرائيل كاتس، لا يرى في نفسه زعيماً لليكود في وجود نتنياهو، ويؤمن بزعامته ايماناً مطلقاً، هو التابع الوفي الذي لا يزعج سيده بأي طموح سياسي في وجوده.

حتى جدعون ساعر، الذي أراد خرج من الليكود ليؤسس حزباً بإمكانه منافسة نتنياهو وتقديم منهج سياسي بديل، يعود مرة أخرى للعمل تحت قيادته في الحكومة الإسرائيلية الحالية، ويبحث عن سبل لعودة آمنة إلى قوائم الليكود، الأمر الذي يعزز الانطباع لدى الجمهور الإسرائيلي بسطوة نتنياهو المطلقة وضعف منافسيه. فحتى أولئك الذين يعارضونه ويرغبون في مواجهته، يعودون مرة أخرى للعمل تحت إمرته.

لا تقتصر أزمة الزعامة في إسرائيل عموماً والليكود على وجه الخصوص على غياب الطموح السياسي فحسب، بل أيضاَ في قدرة نتنياهو على تدمير خصومه بمنهجية ثابتة، فيصبح على الخصوم الاختيار بين استمرار حملات التشويه التي يقودها مواليه، ووسائل إعلامه، ووزراؤه، أو الانصياع المطلق له والقضاء على مستقبلهم السياسي بأيديهم. تحول الحزب إلى مملكة صغيرة لنتنياهو، تماماً كما تحولت إسرائيل إلى مملكة له ولعائلته. ممالك تقوم على الولاء الشخصي، ومديح لا يتوقف لحنكة الرجل السياسية، وأن كل ما هو صواب في إسرائيل فالفضل فيه يعود لنتنياهو وعائلته، وكل ما يستدعي المحاسبة والمسؤولية فهي مؤامرة من اليسار وأخطاء الآخرين التي لا يتحمل نتنياهو المسؤولية عنها. أحد وسائل سيطرة نتنياهو على الليكود هو قدرته على ابتزاز منتسبي الليكود ومساومتهم على ولائهم ودعمهم المطلق له مقابل ضمان وجودهم في مراكز متقدمة في قوائم الليكود التي تخوض الانتخابات.

ليكوديون كبار ووزراء ومسؤولون في المؤسسة الرسمية مهمتهم الحزبية والحكومية الأولى هي الدفاع عن نتنياهو ومهاجمة خصومه ومنافسيه، والتنكيل بكل القائمين على المؤسسات القضائية والحكومية المنوط بها محاسبة المسؤولين عن الإخفاق في أداء وظائفهم. سارة ويائير نتنياهو يتدخلون مباشرة في القرارات الحكومية وآليات صناعة القرار الإسرائيلي. أقيل تساحي هنغبي، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي من منصبه بناء على توصية من سارة نتنياهو لأنه لا يمتدح زوجها بما فيه الكفاية أمام وسائل الإعلام.

لعبة أخرى يمارسها نتنياهو باقتدار هي قدرته على صناعة أحزاب تتماهى في خطابها مع خطاب الأحزاب المنافسة لليكود، ما يمنحها نصيباً من أصوات جمهور تلك الأحزاب، ثم سرعان ما تذوب في ائتلاف نتنياهو دون أن يضطر إلى دفع فواتير انتخابية مزعجة. ناهيك عن عدم قدرة المعارضة الإسرائيلية على تقديم بديل سياسي مقنع لجمهور الناخبين بإمكانه إسقاط نتنياهو.  

صحيح أن نتنياهو استطاع الحفاظ على زعامته لحزب الليكود لسنوات طويلة دون منازع، لكن هذه القدرة ستلقي بظلالها على مستقبل الحزب. فقد أمعن خلال رئاسته لليكود على تكريس زعامته فيها، وقوض كل مساعي بناء كادر قيادي حزبي يحظى بثقة وتقدير قاعدة الحزب التصويتية لليوم التالي من بعده. جعل من الليكود مملكة تنتهي برحيل الملك، وحقل ورود سيتحول سريعاً إلى حقل بطاطس أقرب للبور من الاستصلاح.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب