في النفس الإنسانية، ذلك التطلع الجارف إلى رؤية الجمال، والذي بدوره ينمي فيها الشعور بالمتعة والعظمة، تبهر عينيك وترسل عبارات وإشارات إلى الشعور، يمتلأ بها ليزيد بها ويتضخم بحب الحياة وعظمتها، وفي المتاحف تقع العيون على ذلك الفن الرفيع الصامت الحي، الذي يملي على الشعور أطنان من الأفكار والخيالات، تدور في أروقة الرأس لتعطيه، ذلك الزاد الوفير من حصص الجمال والإبداع.
عالم الفن والجمال يتمثل في المتاحف، التي تبرز إبداع الإنسان، ولكل زمن مبدعوه وإبداعهم، الذي ينطلق من خيالهم، وتصوره أيديهم، وتحوله إلى فن رفيع، تغذي به روح الإنسان، إنها نفحات من الروح الإلهية، يهبها من يشاء من عباده، لتنطلق به وتجسمه، ما تتمثله نفوسهم وشعورهم، إنها ترتقي بالإنسان درجات كبيرة في عالم الروح وعالم الشعور، تسمو به، وتتغنى بأناشيده، فتملأ ذلك الإنسان من الفيض الإلهي، على يد فنان ذا شعور دقيق، ونفس حساسة، إن هذا المتحف لا يعكس روح المصريين في الإبداع فقط، إنما يعكس روح الإنسانية الخالدة، والمتاصلة في كل نفس، وفي كل شعور، ففي هذا الصرح انتصار لروح الإنسان للجانب المشرق فيه، الباقي الدائم الذي يفاخر به على جميع الكائنات الأرضية، دليل على سمو مكانة الإنسان وما فضله الله به من عقل وشعور، ليكون للإنسان بصمته، ليكون للإنسان الذي جعله الله خليفة على أرضه، جدير بهذه المكانة التي وهبها الله له في عمارة الأرض، وأظهر ما تكون في هذه الأعمال الباقية الخالدة التي تجابه الزمن، وتصمد مع مرور القرون والأزمان، فتنت الإنسان قديما فعبدها، وهي الأن فتنت الروح التي تدل على قدرة الإنسان وعطاءه وابتكاره وإبداعه، فكانت رموز لحضارة جديرة بالبقاء، لسنوات طوال، وليس هناك وصف تسطيع أن تصف به شعورك، حين تدور في أروقة المتحف، لتشاهد عظمة الإنسان وإبداعه، إنها ليست تماثيل صامتة، توحي لك بمرأى شيء متقن الصنع، إنما هي أحاديث لا تنقطع، وأفكار لا تُحد، وفيوض تنتابك من مشاعر كثيرة متوافقة حينا، ومتناقضة أخرى، إنها تحكي لك، وتحدثك وتبعث في نفسك أشياء لا حصر لها، فكل قطعة أثرية صنعتها أيدي المصريين القدماء هي قصة عظمة، تعكس واقع مليء بالحس الإنساني العميق.
تدور رأسك وتلف دورات متتالية، وتنطلق بخيالات وأنت واقف صامت مندهش في حالة استغراب واستغراق ونشوة ومتعة، أمام أعاجيب من فنون الحياة، التي صنعتها أيديهم، إن لهذه الأشياء أثر كبير يفوق أثر الكلمات، التي تنطلق من الأفواه، لتصف وما هي بشيء يُذكر، إنها أقوى من ألآف الكتب التي سطرتها أيدي المؤرخين، لتنقل لنا ماخطته قرائحهم، كل هذا أمام ما تقع عليه العين يطيش ويتوارى، لترى أنك أمام أشياء تعجز الكلمات عن وصفها، والكتب عن نقلها، لأنها قليلة أمام ذلك الشعور الفياض، حين تقع عليه العين مبهورة واجمة، منصته لما لا يستطيع لسان الوصول إليه، ليعبر عنه، وينقل صورته، كما هي.