لم تكن الإكسسوارات في الحضارة المصرية القديمة مجرد قطع فنية تصاغ من ذهب أو أحجار كريمة، بل كانت لغة كاملة تنطق برموز حضارة حملت على عاتقها مهمة فهم الحياة والموت والخلود وفي الوقت الذي ينظر فيه البعض اليوم إلى الإكسسوارات باعتبارها وسيلة للزينة أو شكلًا من أشكال الموضة، كان المصري القديم يستعملها بمنهج فكري وروحي عميق، يجعل من كل قطعة مفتاحًا لفهم فلسفة هذا الشعب العظيم.

إكسسوارات
فمن يمعن النظر في القلادات، والأساور، والخواتم، والتيجان التي تركها المصريين القدماء، سيجد أنها كانت تحمل رموزًا دقيقة "الجعران" رمز التجدد والخلق، "عين حورس" رمز الحماية والانتصار، "زهرة اللوتس" رمز البعث والنقاء، و"المفتاح عنخ" رمز الحياة الأبدية.
ويقول عالم المصريات الدكتور حسين عبد البصير، إن هذه الرموز لم تكن مجرد أشكال زخرفية، بل كانت تمثل عالمًا كاملًا من المعتقدات والقيم التي عاش عليها المصريون وعبّروا عنها في كل جوانب حياتهم.
الجمال في مصر القديمة امتدادا للقداسة
وأضاف "عبد البصير"، أن المصري القديم أدرك قوة الرمز، فعندما كان يرتدي قلادة تحمل عين حورس، لم يكن يتزين فحسب، بل كان يعلن للعالم أنه محاط بقوة إلهية تحميه وتقوده، وعندما كانت الملكات يتزين بالذهب والفيروز واللازورد، لم يكن ذلك للتفاخر، بل كان انعكاسًا لمكانتهن الدينية والسياسية، ودليلًا على صلتهن بالآلهة والحياة العليا، فالجمال في مصر القديمة كان امتدادًا للقداسة، والزينة كانت جزءًا من منظومة روحية محكمة.
إحياء التراث العريق
ومع مرور الزمن، لم تفقد الإكسسوارات الفرعونية سحرها ولا حضورها، بل على العكس، وجدنا في العقود الأخيرة إقبالًا متزايدًا من المصممين المصريين الشباب على إعادة إحياء هذا التراث العريق بأساليب معاصرة، فمن خلال الدمج بين الرموز القديمة والرؤى الحديثة، استطاع هؤلاء المبدعون أن يعيدوا تقديم الهوية المصرية في شكل إكسسوارات تصلح لعصر السرعة، وتحافظ في الوقت نفسه على جذورها الممتدة إلى آلاف السنين.

تاج
وتابع الدكتور حسين عبد البصير، لقد أصبحنا اليوم نرى قطعًا تحمل نفس روح الفن القديم، لكن بخامات وتقنيات حديثة، يرى الشباب في هذه الرموز لغة تعبيرية جديدة تمثل الانتماء والهوية، وتربطهم بالماضي العريق، وفي الوقت نفسه، يجد العالم في هذه الإبداعات شهادة جديدة على قوة الحضارة المصرية وقدرتها على التجدد، وكأن الفن الفرعوني يعلن مرة أخرى أنه لا يزال حيًا، قادرًا على الإلهام والتجدد.
ويشير "عبد البصير"، إلى أن أهم ما يجب التأكيد عليه أن دراسة الإكسسوارات الفرعونية ليست دراسة للموضة، بل هي دراسة للحياة نفسها، فكل قطعة تحمل معها سؤالًا عن الإنسان، وعن علاقته بما وراء هذا العالم، وما يفيض عن حدود الجمال المادي يتصل مباشرة بجوهر الروح المصرية القديمة التي آمنت بأن الجمال طريق للخلود، وأن الفن هو المرآة التي تعكس الحقيقة الداخلية للإنسان.

قلادة وحزام
وفي النهاية، تبقى الإكسسوارات المصرية القديمة شاهدة على حضارة لم يعرف العالم لها مثيلًا، هي قصة جمال ورمز وروح، قصة تقول تؤكد إن المصري القديم لم يصنع الفن من أجل الزينة فقط، بل صنعه ليقول من هو، وليترك بصمته في الزمن، وما زلنا نحن، بعد آلاف السنين، نقرأ هذه البصمة، ونرتديها، ونعيش من خلالها معنى الانتماء لواحدة من أعظم حضارات التاريخ.