فلذات الأكباد لهم حقوق ينبغى التركيز عليها، فى مطلع التنشئة، ومهد التربية، وبداية الطريق، نحو تعديل السلوكيات فى الاتجاه المرغوب؛ لذا يأتى الأمان الأسرى فى الصدارة؛ حيث الحنو، والطمأنينة، والاحتواء، ومناخ الاستقرار المعزز للشعور الإيجابى لدى الأبناء؛ لذا يجب أن ينال الفرد داخل السياج أو الإطار الأسري، القدر الكافى من الحب غير المشروط، والرعاية اللامحدودة، ومحاولات التصويب غير المتوقفة، وهذا فى جملته يؤدى لنتيجة منشودة، تتمثل فى النضج العاطفي؛ ومن خلاله يستشعر الإنسان أهمية المكون الأسري، وضرورة الارتباط به مدى الحياة؛ باعتباره الوطن الصغير، الذى يستلهم منه الخبرة، والقدوة، والأنموذج الطيب، والتقويم المؤدى إلى الإصلاح والتطوير فى مسيرته الحياتية.
حالة الأمان الأسرى لا تنفك عن غرس مناقب قيمية، تحمى العقل، وتقدح الذهن، بأفكار تحمل الإيجابية فى مجملها، وهذا بالطبع رهن شعور بالدفء والطمأنينة؛ فلا ينتابه قلق المستقل، ولا تؤثر فيه مظاهر خداعة، ولا تغيره مواقف طارئة، وهنا نتحدث عن إنسان نشأ فى بيئة مواتية، توفّر فى خضمها غذاء الفضيلة لقيم نبيلة عززت لديه، ماهية الصدق، والوفاء، وألوان العطاء، والصبر؛ من أجل بلوغ هدف منشود، وأمل يقوم على عمل وجهد مضني؛ ومن ثم تبدو النفس حاملة لسحائب الخير، ورياحين الإحسان، وفيض المكرمات، وتلك سمات الطريق القويم، المانح للسعادة فى الدارين.
الأمان الأسرى لفلذات الأكباد، نرصده فى حنان الهمسات، وحنين اللقاء، وصورة الإصغاء، التى تشعرهم بالاهتمام، وتمنحهم المقدرة على تبنى سيناريوهات طموحة، يتدفق من سجاياها ومخطط خيالها، طموحات وتطلعات، تحثهم دومًا على نهل الخبرات المحققة لمستهدفات تتبناها وجدانيات صافية، تربت على روح الحوار البناء، وتبادل الأفكار الثرية، والأحاسيس الراقية، وهنا نوقن أنه لا مكان لقسوة، أو تجاهل، أو تردى فى الممارسات، المؤذية للنفوس، والمكرسة للسلبية، والمورثة لدروب القلق بصوره المختلفة.
فلسفة الأمان الأسرى للأبناء بعيدة عن ماهية جلد الذات المؤدية إلى الإحباط؛ فهناك تواصل فعال بين الجميع، لا يكمن فى الصورة اللفظية فقط، بل، نعرفه بالاندماج والارتباط الكلي؛ حيث نبض العاطفة الذى لا ينضب، ومخالطة المشاعر المعبرة عما يجوش فى الصدور، والفهم العميق لتفاصيل الملامح، والغور فى العقول نتيجة للتوأمة فى التفكير؛ إنها حالة نصفها بالفريدة، تقوم على الاندماج التام، المشفوعة برقابة ذاتية فى المقام الأول، يتلوها متابعة تعبر عن الاطمئنان؛ من أجل تحسين الممارسات، وهنا نرى التقبل لأشكال التغذية المرتدة، المصلحة للخطأ، والداعمة للفرد عند تعرضه للإخفاق؛ ومن ثم لا مكان للشعور بالمخاطر أو الخطر، فى ظل سياج أسرى يحميه من الضرر.
فلذات الأكباد لا يلاحظون سلوكيات الآباء فقط، بل، يحللون كل ممارسة يرصدونها؛ ومن ثم تتشكل لديهم الصورة المثلى المعبرة عن العلاقة فى إطارها الصحيح، وهذا بالطبع يحدث عندما يشاهدون أشكال التقبل، وماهية العفو والصفح، وملامح التقدير، والامتنان، والاحترام، المتبادلة بين الأب والأم، وهنا لا يصبح ثمة اجتهاد فى تقدير أمور، حُسمت بالأنموذج القويم، الظاهر من التعامل بحسن الخلق، عبر بوابة التسامح المؤدية حتمًا لتفاهمات حول كافة تفاصيل ومفردات الحياة، وبالطبع نرصد ذلك من فقه التصدى لصور التحديات، والصعوبات، والأزمات، التى قد تواجه الأسرة فى لحظة ما؛ فهناك خصال التكافل، والتعاون، والتآزر، والدعم، الذى لا يتوقف مداده المادى والمعنوى على السواء.
طوفان التغيرات، التى تواجهها المجتمعات، لا تنال من ثوابت أسرة تربت على مقومات الأمان؛ فلا تتأثر السلوكيات الإيجابية، ولا يحاد عن طرائق الممارسات الحسنة، ولا تتبدّل الاتجاهات فى سياقها القويم، وهنا نتوقع الثمرة من جيل تربى على أنماط الفضيلة؛ حيث الفكر، والوعى الرشيد، والمرونة، فى تناول القضايا المتجددة، وتحمل المسؤولية النابعة من القناعة بالدور والمقصد؛ لذا لا مناص من الالتزام، والانضباط، وتقييم الذات، بغية الاستواء على الطريق القويم الغاية والمنشود.. ودى ومحبتى لوطنى وللجميع.