شهدت إثيوبيا واحدًا من أندر الأحداث البركانية في تاريخها الحديث بعد ثوران بركان هايلي غوبي، وهو بركان ظلّ خامدًا لما يُقدّر بنحو 10 آلاف عام، قبل أن ينفجر بشكل مفاجئ صباح الأحد مطلقًا أعمدة رماد ضخمة ارتفعت إلى ما بين 10 و15 كيلومترًا في الغلاف الجوي. وأكدت أقمار صناعية تابعة لمراكز مراقبة الرماد البركاني العالمية تحرّك السحابة البركانية عبر البحر الأحمر في اتجاه اليمن وسلطنة عُمان.
بداية الثوران ورصد الأقمار الصناعية
وبحسب مركز تولوز الاستشاري للرماد البركاني، بدأ الثوران عند الساعة 8:30 صباحًا بتوقيت غرينتش، قبل أن تلتقط الأقمار الصناعية صورًا واضحة لسحابة الرماد وهي تتمدد بسرعة فوق الأجواء العليا. كما كشفت الصور عن انبعاثات كبيرة لغاز ثاني أكسيد الكبريت (SO₂)، وهو مؤشر قوي على شدة النشاط البركاني داخل النظام الجوفي للمنطقة.
وتُعد هذه البيانات الفضائية المصدر الرئيسي للمعلومات، نظرًا لغياب أي محطات رصد أرضية في المنطقة المحيطة بالبركان، التي تُعد من أكثر المناطق قسوة وارتفاعًا في درجات الحرارة على مستوى العالم.
هايلي غوبي… بركان غامض في قلب واحدة من أخطر البيئات الجيولوجية
يقع بركان هايلي غوبي داخل منخفض داناكيل شمال شرقي إثيوبيا، ويبعد حوالي 15 كيلومترًا عن بركان إرتا ألي الشهير، الذي يضم واحدة من البحيرات البركانية الدائمة على سطح الأرض ويُعتبر من أكثر البراكين نشاطًا في إفريقيا.
ورغم النشاط المتواصل لإرتا ألي، لم تُسجّل أي ثورانات لهايلي غوبي في التاريخ المعروف، ما يجعل ثورانه الحالي حدثًا فريدًا يعيد تسليط الضوء على النشاط البركاني الخفي داخل منطقة تعتبرها البعثات الجيولوجية “مختبرًا طبيعيًا” لدراسة تشكّل القشرة الأرضية.
سحابة الرماد تعبر البحر الأحمر نحو الخليج
أظهرت خرائط تتبع حركة الغلاف الجوي أن سحابة الرماد ارتفعت لأكثر من عشرة كيلومترات، قبل أن تدفعها الرياح نحو البحر الأحمر ومنه إلى أجزاء من جنوب غرب شبه الجزيرة العربية. ووصلت تأثيرات السحابة الجوية إلى مناطق داخل اليمن وعُمان، مع احتمالات ضعيفة لتأثيرات على حركة الطيران في بعض المسارات العابرة للبحر الأحمر.
وتشير توقعات أولية إلى احتمال تشتت أجزاء من السحابة خلال الساعات المقبلة، بينما تبقى الكمية الأكبر محصورة في طبقات الجو العليا دون تأثيرات مباشرة على السكان.
لماذا يحظى هذا الثوران باهتمام عالمي؟
يحظى ثوران هايلي غوبي باهتمام علمي واسع لعدة أسباب، أبرزها أن البركان يُصنف ضمن البراكين “الخاملة الطويلة الأمد”، إذ تشير التقديرات إلى أن آخر نشاط له يعود إلى نهاية العصر الحجري الحديث تقريبًا. كما يقع في منطقة من أكثر البيئات تطرفًا على الأرض حيث تتقاطع الصفائح التكتونية الإفريقية والعربية، ما يجعل أي نشاط بركاني فيها ذا دلالة جيولوجية مهمة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الجوار الجغرافي للبركان مع إرتا ألي – وهو بركان لا يتوقف عن النشاط – يفتح الباب أمام دراسات جديدة حول الترابط بين الأنظمة البركانية في منخفض داناكيل، واحتمالات وجود “سلسلة نشاط” غير مرصودة سابقًا.
متابعة دولية وتحذيرات أولية
وتراقب عدة مراكز عالمية، بينها وكالة ناسا وهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، تطورات الثوران عبر صور الأقمار الصناعية، وسط تحذيرات مبدئية للخطوط الجوية التي تمر بالقرب من مسار السحابة.
ورغم أن المنطقة المحيطة بالبركان غير مأهولة تقريبًا، فإن المراقبين يؤكدون ضرورة متابعة التطورات خلال الساعات المقبلة تحسبًا لأي تغيرات في مسار الرماد أو تزايد في الانبعاثات البركانية.