قد تبدو وجبة منتصف الليل في بعض الأحيان وسيلة لطيفة لإنهاء يوم طويل، لكنها في الحقيقة قد تفتح الباب أمام اضطرابات هضمية وزيادة في الوزن دون أن نشعر، فالجسم، كما يؤكد الأطباء، لا يتعامل مع الأكل بالطريقة نفسها خلال ساعات النهار والليل.
وفقًا لتقارير نشرتها مواقع Health Matters– NewYork Presbyterian، فإن توقيت تناول الطعام يرتبط مباشرةً بطريقة استجابة الجسم للدهون والسكريات، إذ تبين أن تناول الوجبات في وقت متأخر، خصوصًا قبل النوم، يؤدي إلى انخفاض مستوى “اللبتين” — الهرمون الذي يمنح الإحساس بالشبع — وزيادة الشعور بالجوع في اليوم التالي، مما يرفع احتمالات تناول كميات أكبر من الطعام على مدار اليوم.
كيف يتفاعل الجسم مع الطعام الليلي؟
في الظروف الطبيعية، يظل معدل الأيض مرتفعًا نسبيًا خلال ساعات النهار، في حين ينخفض تدريجيًا مع اقتراب موعد النوم. عندما يتناول الشخص وجبة دسمة في هذا الوقت، يصبح الجسم أقل قدرة على حرق السعرات الحرارية، فتُخزن الطاقة الزائدة على شكل دهون. هذا الخلل في توازن الطاقة لا يظهر بين عشية وضحاها، لكنه مع الوقت يمكن أن يؤدي إلى زيادة الوزن ومقاومة الأنسولين.
توضح الدراسات أن المعدة تفرز كميات أكبر من الأحماض عند تناول الطعام قبل النوم مباشرة، ما يزيد من احتمال ارتجاع الحامض إلى المريء وحدوث الحموضة أو حرقة المعدة. كما يمكن أن تتداخل عملية الهضم النشطة مع دورة النوم الطبيعية، فيستيقظ الشخص متعبًا رغم ساعات النوم الكافية.
العلاقة بين الهرمونات والإحساس بالجوع
من المعروف أن “اللبتين” و“الجريلين” هما المسئولان عن موازنة الشهية. فبينما يُحفز الغريلين الإحساس بالجوع، يعمل اللبتين على إيقافه عندما يكتفي الجسم بما يحتاجه من طاقة. لكن في حالات تناول الطعام ليلًا، ينخفض تركيز اللبتين ويظل الغريلين في مستواه المرتفع، فيستمر الإحساس بالجوع حتى بعد تناول وجبة كاملة، ما يؤدي إلى استهلاك مفرط للسعرات دون وعي.
متى يكون الأكل آمنًا بعد المساء؟
ينصح أطباء التغذية بتناول الوجبة الأخيرة قبل النوم بثلاث ساعات على الأقل، بحيث تتاح للمعدة فرصة إتمام عملية الهضم قبل الاستلقاء. ويُفضّل أن تكون هذه الوجبة خفيفة وسهلة الهضم، تتضمن عناصر غنية بالبروتين مثل الزبادي أو قطعة صغيرة من الجبن، أو حفنة من المكسرات غير المملحة. هذا النوع من الوجبات يمد الجسم بالطاقة اللازمة دون أن يسبب ارتفاعًا حادًا في مستوى الأنسولين.
أما الوجبات الغنية بالكربوهيدرات أو السكريات السريعة الامتصاص، فغالبًا ما تؤدي إلى اضطراب في مستوى السكر في الدم ليلًا، وتزيد الإحساس بالخمول صباحًا. لذا، يرى الأطباء أن نوع الطعام لا يقل أهمية عن توقيته.
نصائح لتجنب الرغبة في الأكل الليلي
كثير من الأشخاص الذين يشعرون بالجوع في ساعات متأخرة من الليل يكون السبب الحقيقي هو تناول وجبات غير متوازنة خلال النهار. فالفطور الخفيف أو إهمال الغداء يجعل الجسم يبحث لاحقًا عن بديل لتعويض الطاقة المفقودة. لذلك، ينصح المختصون بتوزيع السعرات الحرارية على مدار اليوم بطريقة متوازنة: وجبة فطور تحتوي على بروتين وألياف، وغداء معتدل، وعشاء مبكر لا يتجاوز الساعة السابعة مساءً.
كما يُستحسن شرب الماء أو الأعشاب الدافئة عند الإحساس بالجوع ليلًا، لأن العطش يُترجم في كثير من الأحيان خطأً كإحساس بالجوع. ويمكن أيضًا ممارسة بعض الأنشطة المهدئة مثل القراءة أو التأمل لإشغال الذهن بعيدًا عن التفكير بالطعام.
حين يصبح التوقيت أهم من المكونات
يُجمع خبراء التغذية على أن التوقيت أحد العوامل الحاسمة في الحفاظ على توازن الجسم. فحتى النظام الغذائي الصحي يمكن أن يفقد فعاليته إذا كانت الوجبات تُؤكل في أوقات غير مناسبة. وقد لاحظ الباحثون أن الأشخاص الذين يلتزمون بتناول طعامهم في مواعيد منتظمة تكون مستويات السكر والكوليسترول لديهم أكثر استقرارًا، كما أن نومهم أكثر عمقًا.
ورغم أن لكل شخص ظروفه ونمط حياته المختلف، فإن تأخير العشاء بشكل دائم قد يضع الجسم في حالة إجهاد مزمن، ويؤثر في الساعة البيولوجية التي تنظم إفراز الهرمونات المسؤولة عن النوم والهضم.