منذ آلاف السنين استخدم البشر القدماء في مختلف أنحاء العالم مصائد ضخمة لتوجيه قطعان الحيوانات البرية نحو حفر صيد أو دفعها إلى أسفل المنحدرات، وكان يعتقد سابقًا أن هذه المصائد تقتصر على صحاري شبه الجزيرة العربية، حيث عرفت باسم "الطائرات الورقية الصحراوية"، نظرًا لأشكالها الهندسية المميزة.
لكن اكتشاف مصائد مشابهة في آسيا الوسطى وأوروبا وأمريكا الجنوبية كشف أن المجتمعات القديمة في هذه المناطق طوّرت بشكل مستقل الفكرة نفسها لتحقيق الصيد الجماعي بكفاءة عالية.
يقول عالم الآثار ديميتري مليكوز من جامعة ليوبليانا الذي اكتشف آثار مصائد قديمة في سلوفينيا الواقعة شرق البحر الأدرياتيكي إن هذه الهياكل كانت على الأرجح أنظمة واسعة النطاق صممت لتوجيه وصيد قطعان الحيوانات البرية، وخاصة الغزلان الحمراء.
وتضم سلوفينيا مساحات واسعة من الحجر الجيري المتآكل تُعرف باسم هضبة كارست، وهي المنطقة التي أعطت اسمها لتضاريس "الكارست" المعروفة عالميًا، وهناك عثر مليكوز وفريقه على الجدران الحجرية القديمة التي شكّلت هذه المصائد، وذلك وفقًا لموقع هيستوري.
يتكون كل نظام من جدارين حجريين طويلين ومنخفضين يتقاربان تدريجيًا ليشكلا قمعًا واسعًا يضيق عند منحدر طبيعي، وفي نهاية هذا القمع، أسفل جرف أو صخرة كبيرة، تقع الحظيرة الحجرية المخفية التي صممت لاحتجاز الحيوانات التي تسقط أو تدفع داخلها.
بعد مجتمعي وتنظيم متقدم
أظهر تحليل أضخم هذه المصائد في سلوفينيا أنها احتاجت إلى أكثر من 5000 ساعة عمل لبنائها، ما يعني أن عددًا كبيرًا من الأفراد شاركوا في بنائها خلال فترة قصيرة. ويقدّر الباحثون أن إنجازها كان يتطلب نحو 40 شخصًا يعمل كل منهم حوالي ساعتين يوميًا لمدة شهرين، في دلالة على أن مجتمعات ما قبل التاريخ في أوروبا كانت أكثر تنظيمًا وتعقيدًا مما كان يظن.
ورغم صعوبة تحديد العمر الدقيق لهذه الهياكل، يرجّح الباحثون أن بعض أجزائها يعود إلى أكثر من 8000 عام (العصر الحجري الأوسط). كما تشير قياسات الكربون المشع لبقايا الفحم المدفونة إلى أنها هُجرت قبل نحو 3000 عام، ربما بسبب التحول نحو تدجين الحيوانات بدلاً من صيدها.
وكان حجم الصيد الذي تنتجه هذه المصائد يفوق قدرة أسرة واحدة على استهلاكه، مما يدل على أنها ارتبطت بطقوس جماعية وولائم كبيرة عززت الروابط الاجتماعية داخل المجتمع، وربما حملت أبعادًا احتفالية أو رمزية.
الطائرات الورقية الصحراوية
تشبه مصائد سلوفينيا في حجمها العديد من الطائرات الورقية الصحراوية المنتشرة في الأردن والسعودية وأرمينيا وأوزبكستان وكازاخستان، كما استخدمت تقنية توجيه الحيوانات المذعورة نحو الحفر أو المنحدرات على نطاقات أصغر في أمريكا الشمالية وأفريقيا وأستراليا القديمة.
ورغم التشابه الكبير بين هذه المصائد من حيث الشكل والوظيفة، فإن بعضها يحمل سمات خاصة تعكس طبيعة كل منطقة وبيئتها الجغرافية.