"هيام عباس.. تلك الممثلة وهذه الفلسطينية"، كتاب صادر عن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الحالية، بتوقيع الناقدة الفنية الكبيرة ناهد صلاح، عن مسيرة الفنانة الفلسطينية هيام عباس، التي استطاعت أن تحفر لنفسها مكانة خاصة في السينما العربية والعالمية، بوصفها صوتًا إنسانيًا يعبر عن المرأة والوطن في آن واحد.
الكتاب يقدم قراءة تحليلية ومعمقة لمسيرة هيام عباس، التي تعد أكثر من ممثلة، فهي – كما تصفها الناقدة الفنية – "تلك الفلسطينية التي تحمل ذاكرة المكان"، و"هذه الممثلة التي تمشي بثقة بين اللغات والثقافات دون أن تفقد انتماءها الأول".
من خلال فصول الكتاب، ترسم ناهد صلاح صورة لفنانة تشكل حضوره هيام عباس بين الضوء والظل، بين الانتماء والاغتراب، حيث تعتمد الكاتبة في تناولها على منهج يجمع بين التحليل النقدي والسرد الإنساني، فتتتبع رحلتها من بداياتها في فلسطين إلى مشاركاتها في أعمال عالمية، وتفكك الأدوار التي جسدتها بوصفها امتدادًا لوعيها بقضايا المرأة والهوية.
تكشف المؤلفة في الوقت نفسه كيف استطاعت الفنانة الفلسطينية أن تُحدث توازنًا نادرًا بين الجمال الفني والموقف الفكري، لتصبح نموذجًا للفنانة العربية التي لا تنفصل عن جذورها رغم عبورها الحدود.
أضاء الكتاب بسرد سلس على علاقة هيام عباس بالسينما الفلسطينية، وعلى طريقتها في تمثيل الوجع دون خطابية، والأنوثة دون استعراض، وكيف تحولت من ممثلة إلى مخرجة، لتعبر من وراء الكاميرا عن رؤيتها الخاصة للعالم، في أعمال تحمل مزيجًا من الشجن والكرامة.
استطاعت ناهد صلاح من خلال هذا العمل التأكيد مجددًا على قدرتها في تحويل السيرة إلى مساحة فكرية وجمالية تُعيد تعريف العلاقة بين الفن والهوية، وهو ما فعلته في أكثر من كتاب سابق لها، على رأسهم كتاب "عمر الشريف.. بطل أيامنا الحلوة"، الذي تتبع مسيرة حياة الفنان العالمي الراحل من 1932 إلى 2015، وكذلك كتاب "سامية جمال الفراشة"، الذي تعددت فيه حكايات سامية جمال الدرامية والفنية بين الغموض والدهشة، وبين الوهم والحقيقة، ونفس الأمر مع كتابها "صلاح منصور.. العصفور الصورة والجوهر" عن أشهر عمدة في تاريخ السينما المصرية.
تواصل ناهد صلاح رحلتها في رصد السير الذاتية بشكل مختلف، فكتابها هذه المرة لا يقدم مجرد توثيق لمسيرة فنية، بل قراءة في معنى أن تكون امرأة عربية في السينما، وأن تحمل فلسطينك كذاكرة حية في وجه العالم.
الخلاصة هنا: كتاب "هيام عباس.. تلك الممثلة وهذه الفلسطينية" يستحق القراءة والثناء، بعد نجاح ناهد صلاح، كعادتها المعروفة، في تقديم وجبة دسمة بحرفية شديدة، حيث استطاعت أن تأخذنا إلى عالمها الخاص في الإبداع، وقدمت في هذا العمل تأملًا أعمق في صورة المرأة العربية داخل السينما العالمية.
ختامًا.. الكتاب يعد إضافة مهمة إلى المكتبة السينمائية العربية، ونموذجًا لكتابة نقدية تجمع بين الحس الإنساني والدقة التوثيقية، ويؤكد أننا أمام كاتبة وناقدة فنية كبيرة لديها قدرة على الإمساك بخيط التوازن بين التحليل الفني والبعد الإنساني.