يلقى مفهوم "الأبد" حضورًا في "المعجم الفلسفي" للدكتور مراد وهبة، بوصفه من أبرز المصطلحات المرتبطة بالزمان والوجود في التراث الفلسفي، ويقدم المعجم تعريفًا واضحًا للأبد باعتباره استمرار الوجود في المستقبل إلى غير نهاية، أي مدة لا يتوهم العقل انتهاءها، في مقابل الزمن الذي يتجزأ إلى أجزاء وحدات يمكن قياسها.
وينقل المعجم عن الشريف الجرجاني في "التعريفات" أن "الأبد" هو استمرار الوجود في أزمنة مقدرة غير متناهية في جانب المستقبل، مؤكدًا أن الأبد لا يفنى ولا يتجزأ، وأن لفظ "أباد" – بمعنى الأبد – ليس من كلام العرب الأصيل، في إشارة إلى تمايز الدلالة الاصطلاحية عن الجذر اللغوي المتداول.
ويربط مراد وهبة بين "الأبد" و"الأزل" في سياق واحد، فبينما يشير الأبد إلى استمرار الوجود في المستقبل بلا نهاية، يحيل الأزل إلى استمرار الوجود في الماضي بلا بداية، بوصفه أزمنة مقدرة غير متناهية في جانب الماضي، فيُقال عن الموجود الذي لا علة له إنه "دائم أزلاً وأبدًا".
كما يستعرض المعجم بعض المواقف الفلسفية من مفهوم الأبد، فعند ابن سينا تُفهم الأبدية بوصفها معنى ذهنيًّا يتعلق بكون الشيء خارج النفس، ويرتبط ذلك بمفهوم "الإبداع" الذي يعرفه ابن سينا بأنه وجود لشيء عن شيء آخر دون توسط مادة أو آلة أو زمان، وهو ما لا يتعارض – في نظره – مع القول بقدم العالم.
ويشير مراد وهبة كذلك إلى رأي الفارابي الذي يرى أن العالم صدر عن إبداع البارئ "دفعةً بغير زمان"، وأن الزمان نفسه حادث عن حركة العالم، بينما يعرف الغزالي الأبدية بأنها دوام الوجود غير المحدود، في حين يتناول ابن رشد فكرة الأبد في إطار تمييز دقيق بين الألفاظ والمعاني المتأبدة التي تتجاوز التصور المباشر.
بهذا يقدم "المعجم الفلسفي" قراءة مركزة لمفهوم "الأبد"، تربط بين الجذر اللغوي والتحديد الاصطلاحي، وبين التراث الفلسفي الإسلامي وأسئلته الكبرى عن الزمان، البداية والنهاية، ودوام الوجود.