بيشوى رمزى

أمريكا وصناعة الحرب.. من الإرهاب إلى المخدرات

الإثنين، 17 نوفمبر 2025 01:37 م


الحرب على تجارة المخدرات.. شعار جديد اختارته واشنطن لإطلاق معركتها الجديدة، بعدما كانت الحروب السابقة ضد الإرهاب تارة أو الديكتاتورية تارة أخرى، أو كليهما معا إذا لزم الأمر تارة ثالثة، حيث شرعت الولايات المتحدة في معركة جديدة ضد فنزويلا، والتي تعد الخصم الأبرز لها في محيطها الجغرافي، في لحظة فارقة تتواتر فيها الصراعات الدولية في كل مناطق العالم، بين الشرق الأوسط، في ضوء أزمة غزة، والتي عانت لعامين كاملين جراء عدوان إسرائيلي، امتد إلى العديد من الدول الأخرى في المنطقة، وأوروبا، جراء الحرب الروسية الأوكرانية، والتي تراها القارة العجوز بمثابة تهديدا وجوديا لها، لتنضم أمريكا جنوبية إلى دائرة الصراع العسكري المباشر، حال تطور الأمور على الساحة الفنزويلية، وإن كان الصراع هذه المرة يحمل غطاءً أخلاقيا في إطار مجابهة تجار المخدرات.


والمفارقة الجديرة بالملاحظة، إذا ما نظرنا إلى الحروب الثلاثة سالفة الذكر، تتجلى في تماهي ذريعة الحرب في كل حالة، مع طبيعة أطرافها، ففي غزة تبنت إسرائيل ذريعة الدفاع عن النفس، بينما في أوكرانيا، فتبنت موسكو خطابا يقوم على دحض التهديد القادم من الناتو، في ضوء مطالبة كييف بالانضمام إليه، وهو ما تراه موسكو محاولة لحصارها جغرافيا، بالإضافة إلى حماية القوميات الروسية داخل أوكرانيا من الاضطهاد الذي تمارسه ضدهم السلطات الأوكرانية، في حين التزمت واشنطن في حربها بالشعارات الأخلاقية، والمحصلة في نهاية المطاف هي مزيد من الصراعات التي تهدد الكوكب في لحظة فارقة، في تاريخه، قد تؤدي إلى تفاقم الاختناقات الاقتصادية، التي سيعانيها ملايين البشر في كل أنحاء العالم.


وعلى الرغم من اختلاف شعار كل معركة في الحالات الثلاثة سالفة الذكر، لتتراوح بين الدفاع عن النفس، والحماية، والبعد الأخلاقي، نجد أن ثمة بعدا مشتركا، يتجلى في تعزيز القيادة الإقليمية في المناطق التي تدور فيها الحروب، حيث لم تنجح واشنطن في فرض وكلائها في كل حالة، فإسرائيل سعت لفرض قبضتها على الشرق الأوسط عبر حرب ضروس، نالت خلالها الدعم الأمريكي دون جدوى، وروسيا تسعى إلى استعادة نفوذها في أوروبا الشرقية، تمهيدا لفرض نفسها كقوى قارية في القارة العجوز، ولم تنجح المساعي الأمريكية الغربية في احتوائها، خلال سنوات الرئيس السابق جو بايدن، ليجد الرئيس ترامب نفسه في نهاية المطاف أمام خيار وحيد يقوم على مسارين، أولهما التماهي مع رغبات موسكو في أوروبا ولو مرحليا، وترويض الحليف الإسرائيلي في الشرق الأوسط من جانب، والثاني تعزيز نفوذه الإقليمي في أمريكا الجنوبية، من بوابة فنزويلا.


الصراع المحتمل بين واشنطن وكاراكاس، في جوهره يتجاوز "الحرب على المخدرات"، فهو امتداد لحروب أخرى خاضتها الولايات المتحدة، اختارت الإدارات الأمريكية ساحتها بأريحية، تحت غطاءات مختلفة، على غرار الحرب على الإرهاب، في أفغانستان، وتلك التي شنتها انتصارا للديمقراطية، في العراق، ولم تحقق أهدافها المعلنة في كليهما، والسبب ببساطة أن الهدف كان تعزيز النفوذ والهيمنة الأحادية على العالم، إلا أن الأمر المختلف هنا في الحالة الفنزويلية، يتجسد في كونها اختيارا لا بديل عنه، من وجهة النظر الأمريكية، في اللحظة الراهنة.


حروب أمريكا منذ صعودها إلى قمة النظام الدولي، كانت تعتمد في الأساس على اختياراتها، فكانت دائما ما تختار الصراع الذي تخوضه بشكل مباشر، بعيدا عن مناطقها الجغرافية، حتى لا يتأثر الداخل كثيرا بتداعيات الحرب، اللهم إلا ما يسمى بغزو "خليج الخنازير" في بداية الستينات من القرن الماضي، وسرعان ما فشلت ولم يكتب لها النجاح، وبالتالي فإن اختيار الجبهات بعيدا عن جغرافيا واشنطن في محيطها الإقليمي، لم يكن جزافا، رغم ما تشوب العلاقات من أزمات، والتي كادت أن تصل في العديد من المراحل إلى نقطة المواجهة، وهو ما يمثل نقطة فارقة، حين تتجه إدارة الرئيس ترامب إلى مواجهة مباشرة مع دولة جوار، فالحرب الأمريكية المحتملة على كاراكاس ليست خيارا نموذجيا، وإنما نتيجة فشل مخططات سعت خلالها الإدارات الأمريكية بسط نفوذها الدولي، إلا أن الواقع المتغير وبزوغ قوى إقليمية مؤثرة أعاقها عن تحقيق هذا الهدف، مما دفعها إلى التحرك نحو فرض قبضتها في منطقتها، لتكون نقطة انطلاق للبقاء على القمة، بعدما بات مركزها الدولي كقوى أحادية مهيمنة محل شك كبير، في اللحظة الدولية الراهنة.


فنزويلا نفسها تمثل الجبهة الأقرب للصراع، جراء تقاربها مع الصين وروسيا، بالإضافة إلى كونها تهديدا لسوق النفط الأمريكي، بينما تعاني من هشاشة اقتصادية وسياسية في الداخل، قد تفتح الباب أمام انتصار أمريكي تبقى إدارة الرئيس ترامب في أمس الحاجة إليه في اللحظة الراهنة، لتعويض العديد من الخسائر التي لاحقتها خلال الأشهر الماضية سواء داخليا او دوليا.


الصراع مع فنزويلا، حال تحوله إلى مواجهة مباشرة، بمثابة خروجا من العديد من الأزمات، ربما أبرزها العجز عن استعادة السيطرة الكاملة في مناطق أخرى، خاصة مع حالة أشبه بالتمرد بين الحلفاء، بالإضافة إلى كونها وسيلة لحشد الأمريكيين وراء الإدارة التي تراجعت شعبيتها في الداخل، في ظل أوضاع اقتصادية صعبة وإغلاق حكومي وانقسام سياسي، ينبئ بهزائم مدوية للجمهوريين الذين تنتمي لهم الإدارة الحالية،، حال استمرار الأوضاع على ما هي عليه، سواء خلال انتخابات التجديد النصفي أو قد تمتد إلى انتخابات الرئاسة المقبلة، وهو ما ظهرت بوادره بالفوز الكبير الذي حققه زهران ممداني في انتخابات ولاية نيويورك.


إلا أن التساؤل يدور حول ما إذا كانت الحرب الأمريكية المحتملة على فنزويلا ستكون نزهة، أم مقامرة، في ضوء العديد من المعطيات، منها ما أسلفت، حول الأوضاع الاقتصادية في الداخل، وما قد تترتب عليه مثل هذه الحرب على أوضاع المواطن، بالإضافة إلى أن خوض مثل هذه المعركة تمثل نكوصا صريحا عن الوعود التي أطلقها الرئيس ترامب، والذي تعهد بصناعة السلام في العالم، بينما ينغمس بنفسه في مستنقع الصراع مع دولة جوار، ناهيك عما سوف تسفر عليه مثل هذه الحرب من نتائج في ظل وجود قوى داعمة لكاراكاس، من منافسي واشنطن، وعلى رأسها الصين وروسيا، تسعى إلى الاحتفاظ بنفوذها في المحيط الجغرافي للولايات المتحدة.


التساؤل الآخر، في هذا الإطار، يتجلى حول ما إذا كان التفات واشنطن نحو المحيط الجغرافي عسكريا يمثل انكماشا استراتيجيا، بعد فشل في بسط النفوذ الدولي، على الأقاليم البعيدة، وهو ما يمثل اكتفاءً بالقيادة الإقليمية في منطقتها الجغرافية، بعدما تمكنت القوى المنافسة أو حتى القوى الإقليمية في المناطق الأخرى من فرض كلمتها وكسر الهيمنة الأمريكية.


وهنا يمكننا القول بأن الحرب الأمريكية على فنزويلا ليست الخيار النموذجي أمام إدارة الرئيس ترامب، وإنما في الوقت نفسه البديل الأخير في إطار نظرية "البحث عن صراع" والتي تتبناها واشنطن، في العديد من المراحل الانتقالية، على الساحة الدولية، والتي تقوم في الأساس أن استمرار الصراعات هو السبيل للاحتفاظ بالقيادة الأمريكية، وهو ما افتقدته أمريكا في العديد من مناطق العالم جراء عجزها عن السيطرة على وتيرة الصراعات القائمة، مما يدفعها نحو خوض معركة جديدة، بحثا عن انتصار، يعيد هيبتها، وربما يحتفظ لها بمقدار من النفوذ في المحيط الإقليمي.

 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب