دندراوى الهوارى

شلالات الدماء فوق مناجم الذهب.. كيف يبيع تجار الحرب مستقبل السودان بالجرام؟!

الأحد، 16 نوفمبر 2025 12:00 م


السودان، دولة حباها الله بفيض كبير من الثروات الطبيعية، التى لو أمكن استثمارها وتوظيفها بشكل احترافى، وخطط علمية، لصارت من أغنى الدول، ليس فى أفريقيا فحسب ولكن فى العالم، قد يعتقد البعض - وهما - أن السودان بلد الذهب فقط، لكن الحقيقة أنها دولة تمتلك توليفة مبهرة من الثروات المعدنية الاستراتيجية تشمل، الذهب، بأنواعه المتعددة، والأحجار الكريمة والفضة والنحاس والكروم والحديد والمنجنيز والنيكل والكوبالت والليثيوم.

هذه التوليفة النادرة، بدلا من أن تجعل من السودان دولة غنية، دفعت به لصراع داخلى، لأن من يسيطر على مناجم هذه المعادن، يسيطر على اقتصاد المستقبل، لذلك تأسست ميليشيات مسلحة وقررت الاستحواذ على المناجم بقوة السلاح، ورفع راية العصيان ضد المؤسسات الوطنية الرسمية للبلاد، ونزعت منه فضيلة الأمن والاستقرار، واختزلت قيمته كوطن فى ما يحمله باطنه من ثروات، لا فى ما يحمله أبناؤه من أحلام وطموحات!

السودان بلد غنى، يتمتع بفيض ضخم من الثروات الطبيعية، ليس فقط المعادن النفيسة، وإنما مساحات شاسعة من أجود الأراضى الزراعية الخصبة، ومياه عذبة وفيرة، وثروات حيوانية ضخمة، يمكن لها أن تغذى عددا من الدول، لو اُستغلت الاستغلال الأمثل!

السودان، كان يمكن له أن يكون دولة عملاقة اقتصاديا، «زراعيا وتعدينيا» لكنه ضل الطريق نتيجة ظهور تجار الحرب، من ميليشيات مارقة مسلحة، قررت إعلان القتال على مؤسسات الدولة الرسمية، وفى القلب منها الجيش الوطنى، طمعا فى مناجم الذهب والمعادن النفيسة، وخلال سنوات قليلة، تحول السودان لمسرح اقتتال داخلى، يصنف بأنه أبشع الحروب الأفريقية، بل والإقليمية، فى القرن الواحد والعشرين، تحمل عنوانا موجعا «شلالات الدماء فوق مناجم الذهب.. كيف يبيع تجار الحرب مستقبل السودان بالجرام؟!».

السودان لا يمتلك الذهب فقط، بل  يمتلك أغنى حزمة تعدينية فى أفريقيا قاطبة، وبدلا من أن تتحول هذه «الحزمة» إلى «نعمة» للشعب السودانى الطيب، تحولت إلى نقمة، عندما قررت ميليشيات مسلحة الاستحواذ على هذه الثروة، تحت شعارات سياسية مطاطة لا تمت للواقع بصلة، وأن الهدف الرئيسى الاستيلاء على هذه الثروات وتكديس عائدها فى جيوبهم الشخصية، بينما الشعب السودانى بكل مكوناته ومؤسساته الرسمية يرزح تحت الفاقة والفقر!

تجار الحرب حولوا الخريطة الجغرافية السودانية إلى خريطة دماء، وصارت شلالات الدماء تنافس فيضانات النيل، من دارفور إلى الخرطوم، ومن مناجم جبل عامر إلى الحدود التشادية، وما بين هذه المناطق، دُمرت قرى ومدن، وقُتلت أعداد غفيرة، ومن لم يلحقه الموت، كان الهروب خارج الحدود هو المصير المحتوم، وصار خيار الموت عند البقاء، أو الهجرة فى دروب الصحراء للدول المجاورة، كلاهما مر مرارة الحنظل، وحسرة على وطن يفيض بخيرات الله، لا تستثمر بشكل مؤسسى احترافى.

الظاهرة الأخطر فى السودان المبتلى ببعض أبنائه العاقين الباحثين عن مصالحهم الشخصية الضيقة على حساب المصلحة العليا للوطن، وهى أن الميليشيات المسلحة رسخت فكرة الثراء الفاحش فى أذهان آلاف الشباب، ورفعت عندهم منسوب الشبق لتحقيق الثروات، فصار هؤلاء «حراس المناجم» بدلا من أن يكونوا بناة وطنهم، فانهارات السودان، وصارت البلاد ساحة اقتتال مفتوحة.

تجار الحرب الذين يعتقدون أنهم الرابحون من هذه المقتلة الدامية، بالاستحواذ على الثروات، ربما يحصلون على عائدات الذهب، وتستفيد منها أيضا شبكات التهريب ومافيا السلاح، والميليشيات المارقة التى تحولت إلى شركات تعدين مسلحة، لكن فى النهاية فإن حساباتهم خاطئة، فمكسب شخصى قريب، يقابله دمار وطن، تغيب عنه شمس الأمن والأمان والاستقرار، لا يجدى نفعا، فالخوف ينهش القلوب، والرعب يسكن الأجساد من المصير المحتوم، قتلا وخطفا وتنكيلا!
الموجع أن الذهب فى البلد المنكوب تحول من مجرد معدن نفيس يمثل نعمة، إلى سلاح وأداة سياسية مهدت كل الطرق لتفكيك السودان وتحويله إلى دولة فاشلة تغرق فى مستنقع الفوضى!

ولإنقاذ السودان من هذه المقتلة، لا بد من وضع روشتة علاج من لعنة «الذهب» بأن تتجرد الميليشيات من السلاح، وتتحول كل مناجم المعادن المختلفة إلى ملكية أصيلة للدولة، مع ترسيخ قناعة لدى كل مواطن سودانى - مهما كان انتماؤه - بأن معدن الذهب النفيس الذى يتقاتلون للاستحواذ عليه اليوم، سيتحول إلى أحجار بلا ثمن أو قيمة تحت أنقاض الدولة فى حالة عدم توقف المجازر ودمار الوطن!




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب