لم تعد مسألة عدد مرات الاستحمام لدى المصابين بالإكزيما موضوعًا يثير الحيرة كما كان في السابق. فبين النصائح الطبية المتفاوتة والقلق من زيادة جفاف البشرة، ظلّ كثير من المرضى يسألون: هل يمكن أن يفاقم الاستحمام اليومي مشكلات الجلد أم أنه آمن؟ وفقًا لتقرير نشره موقع Everyday Health، جاءت دراسة جديدة لتقدّم إجابة أكثر وضوحًا، وتفتح بابًا من الطمأنينة أمام من يتعاملون مع هذه الحالة المزمنة.
خلفية الدراسة: لماذا أُجريت؟
العديد من التوصيات القديمة كانت تشير إلى ضرورة تقليل عدد مرات الاستحمام خوفًا من فقدان رطوبة الجلد وازدياد الالتهاب. لكن الممارسة اليومية أظهرت أن المرضى يحصلون على نصائح متضاربة من الأطباء، وغالبًا ما يشعرون بالارتباك عند محاولة تحديد الروتين الأنسب لبشرتهم. هذا ما دفع فريقًا بحثيًا في جامعة نوتنغهام إلى تصميم دراسة تشارك فيها وجهات نظر المرضى أنفسهم قبل البدء في تجميع البيانات، بهدف الوصول إلى نتائج يمكن تطبيقها عمليًا في الحياة اليومية.
منهجية البحث: فحص واقعي لسلوك الناس
بدأ الباحثون بتقسيم أكثر من أربعمئة شخص يعانون من الإكزيما إلى مجموعتين: الأولى تستحم بمعدل يومي، والثانية تقلل عدد مرات الاستحمام إلى مرة أو مرتين أسبوعيًا. تمت متابعة المتطوعين لأربعة أسابيع، وهي فترة كافية لرصد التغيرات المتعلقة بالالتهاب، والجفاف، وشدة الحكة، والاضطرابات اللونية المرتبطة بالحالة. كانت الأهداف واضحة: هل يؤثر تكرار الاستحمام على حدة الأعراض؟ وهل يمكن أن يكون الروتين اليومي مرنًا دون خطورة؟
النتائج: استحموا كما تشاؤون بشرط واحد
أظهرت النتائج عدم وجود فرق يُذكر بين المجموعتين من حيث شدة الأعراض أو تواترها. وهذا يعني أن عدد مرات الاستحمام ليس العامل الأساسي في تفاقم الإكزيما، طالما جرى الالتزام بخطوة واحدة محورية: ترطيب الجلد مباشرة بعد الخروج من الماء. هذا الاكتشاف يتوافق مع دراسات سابقة رصدت أن مشكلة الإكزيما ليست في عملية الاستحمام نفسها، بل في فقدان الماء من الطبقة السطحية للجلد عند عدم ترميم الحاجز الجلدي بعد تجفيف الجسم.
لماذا كان الاعتقاد القديم مختلفًا؟
كان الخوف الطبي يدور حول ظاهرة فقدان الماء عبر البشرة، وهي عملية يحدث فيها تبخر سريع للماء من الجلد بعد الاستحمام، ما يؤدي إلى جفاف ملحوظ وتهيّج. ولأن جلد المصابين بالإكزيما هشّ من الأساس، كان يُظن أن الاستحمام المتكرر يزيد الوضع سوءًا. إلا أن الدراسات المتعاقبة بيّنت أن تبني روتين ترطيب مناسب يمكن أن يحدّ تمامًا من هذا التأثير. بل إن بعض الأبحاث التي تابعت الأطفال على وجه الخصوص لاحظت تحسنًا في الأعراض عندما تم دمج الاستحمام المنتظم مع مرطبات كثيفة القوام.
عوامل أخرى تؤثر على البشرة
لا يمكن تجاهل دور البيئة المحيطة حين نتحدث عن الإكزيما. فدرجة الرطوبة في المنزل، ونوع المياه المستخدمة، واختلاف تركيب الجلد بين الأفراد، جميعها عناصر قد تحدد مدى استفادة المريض من الاستحمام أو تعرضه للجفاف. وتشير الخبرة الإكلينيكية إلى أن أصحاب البشرة الداكنة قد يواجهون فقدانًا أكبر للماء من البشرة، ما يجعل الترطيب الفوري عنصرًا أكثر أهمية بالنسبة لهم. كما تلعب المواسم دورًا معتبرًا؛ إذ يعاني كثيرون من أعراض أكثر حدة في الشتاء بسبب انخفاض الرطوبة.
كيف يستحم مريض الإكزيما بطريقة صحيحة؟
رغم السماح بتكرار الاستحمام وفق ما يناسب راحة المريض، إلا أن التفاصيل الدقيقة لطريقة الاستحمام تظل ثابتة، وتشمل ما يلي:
تجنّب الماء الساخن
الماء الفاتر هو الخيار الأمثل، لأن الحرارة المرتفعة تُضعف طبقة الدهون الواقية للجلد.
تقليل مدة الوقوف تحت الماء
ينصح الأطباء بألا تتجاوز المدة عشر إلى خمس عشرة دقيقة، حتى لا يتعرض الجلد لفقدان مفرط للرطوبة.
استخدام منظفات لطيفة
يُفضّل اختيار منتجات خالية من العطور والكحول وتلك التي تهيّج البشرة أو ترفع مستوى الحموضة.
ترطيب فوري بعد التجفيف
وضع المرطب في غضون دقيقتين من الخروج من الحمام يُعد خطوة جوهرية لاستعادة الحاجز الجلدي. سواء كان المرطب كريمًا أو مرهمًا، فالمهم هو الاستخدام المنتظم والمستمر.
اختيار روتين يناسب نمط الحياة
يقترح الأطباء أن يعتمد المريض الروتين الذي يشعر معه براحة أكبر، سواء كان ذلك استحمامًا يوميًا أو متقطعًا، طالما يتم دعم البشرة من خلال الترطيب المناسب والعلاجات الطبية الموصوفة.
ما الذي تعنيه هذه النتائج للمصابين بالإكزيما؟
تمنح هذه الدراسة المرضى حرية أكبر في ضبط عاداتهم اليومية، من دون التخوف من أن يؤثر الاستحمام على حالتهم بشكل سلبي. كما تُبرز أهمية الرعاية المتواصلة للجلد باعتبارها الركيزة الأساسية في السيطرة على الإكزيما، لا عدد مرات التعرض للماء. ومع تباين الظروف بين شخص وآخر، يبقى تكييف الروتين بحسب الاستجابة الفردية والموسم ودرجة رطوبة البيئة الخطوة الأكثر دقة في إدارة الأعراض.