لكل منا رصيد من الستر، رصيد لا يراه إلا الله، لكنه يحيط بحياتنا مثل درع خفي يحفظنا من أعين الناس ومن فتن الدنيا، الستر ليس مجرد كلمة عابرة، إنه هبة عظيمة، نعمة لا يشعر بها إلا من فقدها، أو من ظل محافظًا عليها، فيطمئن قلبه ويطمئن غيره.
قد نفكر أحيانًا أن الستر مجرد حجاب عن أعين الآخرين، لكنه أعمق من ذلك، فهو حماية للنفس، وراحة للروح، وهدوء للقلب.
من يملك الستر، يملك القدرة على العيش بحرية داخل حدوده دون أن يُحاكمه أحد، دون أن تُقاس أعماله بمقاييس الناس، والستر، مثل الذهب، قيمته الحقيقية لا تُرى إلا عند الحاجة، وعندما يتعرض للخطر.
يحذرنا رصيد الستر من السرعة في الكلام، ومن مشاركة أسرارنا مع من لا يقدرها، ومن الانزلاق وراء الفضول الذي ينهش حياتنا بلا رحمة، فالستر، حين يُحترم، يصبح زادًا للكرامة، وسرًا للسلام النفسي، ومفتاحًا للحياة الكريمة، أما من يُهدره بلا مبالاة، فقد يكتشف فجأة أن قلبه أصبح مكشوفًا، وحياته مفرغة من الحماية التي منحها له ربه.
والأدهى من ذلك أن الستر ليس ملكًا خالصًا للإنسان، بل هو أمانة تُوكل إليه، واجب المحافظة عليه كما يحافظ على صحته، كما يحافظ على وقته، كما يحافظ على كل ما هو ثمين في حياته.
ففي اللحظة التي نفقد فيها الستر، نصبح عُرضة للنقد والسخرية وللفتنة التي لا شفاء منها إلا بالعودة إلى رشد النفس وحكمة العقل.
لذلك، حاول أن تحافظ على رصيدك من الستر، لا تهدره في لحظة تهور أو كلمة عابرة، فهو أعظم من أي مال أو سلطة، وأثمن من أي شهرة زائلة، فهو من النعم التي يُبخل الناس على أنفسهم بالاعتراف بها، ولكنه في الحقيقة الدرع الذي يجعل للحياة قيمة، وللقلب راحة، وللروح طمأنينة.
الستر رصيدك الذي لن يشتريه أحد، ولن يوصلك أحد إليه، إلا بالحكمة والصمت والخلق الحسن، احفظه كما تحافظ على حياتك، فهو سر سعادتك ودرع كرامتك، ومن فقده فقد شيئًا من روحه وشيئًا من حريته.