تمر اليوم ذكرى رحيل القاص الكبير سعيد الكفراوى (1939–2020)، أحد أهم الأصوات التى كرست حياتها لفن القصة القصيرة فى الأدب العربى، وارتبط اسمه بالقرية المصرية وتحولات المجتمع من الستينيات حتى العقد الأول من الألفية الثالثة، رحل الكفراوى فى 14 نوفمبر 2020 عن عمر ناهز 81 عامًا، بعد رحلة أدبية امتدت لأكثر من خمسة عقود، ترك خلالها ما يقرب من 12 مجموعة قصصية شكّلت معًا ملامح عالمه السردى الخاص.
من كفر حجازى إلى مقهى ريش
ولد سعيد الكفراوى فى قرية كفر حجازى التابعة للمحلة الكبرى بمحافظة الغربية عام 1939، فى بيئة ريفية ستصبح لاحقًا المادة الخام لقصصه عن الفلاحين وطقوس المواسم والفرح والموت. فى أوائل الستينيات كوّن مع مجموعة من أصدقائه، منهم جابر عصفور ومحمد المنسى قنديل وصنع الله إبراهيم ونصر حامد أبو زيد، ناديًا أدبيًا فى قصر ثقافة المحلة الكبرى، قبل أن يعرف طريقه إلى مجلس نجيب محفوظ على مقهى ريش بوسط القاهرة، الذى أصبح واحدًا من أهم فضاءات تكوينه الثقافى والإنسانى.
راهب القصة القصيرة
على عكس أغلب أبناء جيله الذين انتقلوا إلى الرواية، ظلّ سعيد الكفراوى مخلصًا للقصة القصيرة وحدها، معتبرًا إياها "الشكل الأمثل للتعبير عن تجربته"، كما صرّح فى أحاديث صحفية عديدة، مؤكدًا أنه عاش بأمل كتابة رواية مثالية "لم تُكتب أبدًا".
بدأ كتابة القصة فى الستينيات، غير أن أولى مجموعاته لم تصدر إلا فى منتصف الثمانينيات، حين ظهرت "مدينة الموت الجميل" عام 1985، تلتها "ستر العورة" (1989)، "سدرة المنتهى" (1990)، "مجرى العيون" (1994)، "دوائر من حنين" (1997)، ثم مجموعات مثل "كشك الموسيقى"، "يا قلب مين يشتريك"، "بيت للعابرين"، "أيام الأنتيكا"، "البغدادية"، و"زبيدة والوحش" التى ضمّت مختارات من أعماله.
ترجمت قصصه إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والدنماركية وغيرها من اللغات، ما منح تجربته حضورًا خارج الحدود المصرية، بينما ظل عالمه راسخًا فى التربة الريفية الأولى، حيث واصل راهب القصة القصيرة الإنصات لصوت القرية، وتحويله إلى حكايات لا تزال تُقرأ وتُستعاد فى كل ذكرى لرحيله.