لم يعد مرض الزهايمر مجرد اضطراب في الذاكرة أو مرحلة طبيعية من الشيخوخة، بل يراه الأطباء اليوم مرضًا أعمق وأكثر تعقيدًا يرتبط مباشرة باضطراب أيضي واسع في الجسم وهو اضطراب سكر الدم، لهذا السبب، بدأ العلماء في السنوات الأخيرة يستخدمون مصطلحًا جديدًا لوصفه: "مرض السكري من النوع الثالث" (Type 3 Diabetes).
فما العلاقة بين سكر الدم والدماغ؟ ولماذا يُعتقد أن ارتفاع الجلوكوز قد يُسهم في شيخوخة المخ والإصابة بالخرف؟ .. هذا ما نتعرف عليه في السطور التالية بحسب موقع amenclinics.
ما الرابط بين سكر الدم والدماغ؟
الدماغ هو العضو الأكثر استهلاكًا للطاقة في جسم الإنسان، ويعتمد على الجلوكوز كمصدر رئيسي للوقود.
عندما يكون سكر الدم في المعدلات الطبيعية، تُغذَّى خلايا الدماغ بما يكفي من الطاقة لتعمل بكفاءة لكن عند ارتفاع السكر لفترات طويلة، تبدأ المشاكل في الظهور على مستوى الخلايا العصبية والأوعية الدموية الدقيقة داخل الدماغ.
توضح الدراسات أن ارتفاع سكر الدم المزمن يؤدي إلى:
ضعف تدفق الدم إلى أنسجة المخ.
زيادة الالتهابات والإجهاد التأكسدي.
تلف الخلايا العصبية المسئولة عن الذاكرة والانتباه.
ومع مرور الوقت، يصبح الدماغ أكثر عرضة للضمور، وهو ما يُعرف بـ انكماش الدماغ — إحدى العلامات المميزة لمرض الزهايمر.
مقاومة الأنسولين داخل الدماغ.. البذرة الأولى لمرض الزهايمر
الأنسولين ليس هرمونًا خاصًا بتنظيم السكر فقط، بل يلعب دورًا جوهريًا في حماية الخلايا العصبية وتحفيز التواصل بين الخلايا داخل الدماغ.
لكن عندما يُصاب الجسم بما يُعرف بـ مقاومة الأنسولين – وهي الحالة التي تتوقف فيها الخلايا عن الاستجابة للأنسولين – يمتد هذا الخلل إلى الدماغ أيضًا.
تشير دراسة نُشرت في مجلة الجمعية الفسيولوجية الأمريكية (2022) إلى أن كبار السن الذين يعانون من مقاومة الأنسولين يُظهرون انخفاضًا في نشاط مناطق الدماغ المسؤولة عن الذاكرة والتعلم.
تُفسّر هذه الظاهرة سبب إطلاق مصطلح "السكري من النوع الثالث" على الزهايمر، لأن الدماغ في هذه الحالة يعجز عن استخدام الجلوكوز بكفاءة، تمامًا كما تفعل خلايا الجسم في مرض السكري من النوع الثاني.
الحاجز الدموي الدماغي.. عندما يضعف درع الحماية
يعمل الحاجز الدموي الدماغي (Blood-Brain Barrier) كخط دفاع أمامي يمنع السموم والمواد الضارة من الوصول إلى الدماغ.
لكن عند ارتفاع سكر الدم بشكل مزمن، تتلف خلايا هذا الحاجز الدقيقة، مما يسمح للبروتينات السامة مثل لويحات الأميلويد (Amyloid Plaques) بالمرور إلى الدماغ.
تُعد هذه اللويحات من العلامات البارزة لمرض الزهايمر، إذ تتراكم بين الخلايا العصبية وتُضعف التواصل بينها، ما يؤدي تدريجيًا إلى فقدان الذاكرة والتدهور الإدراكي.
وفقًا لدراسة أجريت عام 2023 في جامعة كاليفورنيا، فإن الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع الجلوكوز المزمن أظهروا تسربًا أكبر في الحاجز الدموي الدماغي ومؤشرات أعلى على الالتهاب العصبي، مقارنة بالأشخاص ذوي مستويات السكر الطبيعية.
الالتهاب والإجهاد التأكسدي: كيف يهاجم السكر خلايا الدماغ؟
عندما يرتفع سكر الدم، يُنتج الجسم كميات كبيرة من الجذور الحرة – وهي جزيئات غير مستقرة تُسبب ما يُعرف بـ الإجهاد التأكسدي.
هذا الإجهاد يؤدي إلى تلف الحمض النووي (DNA) والبروتينات في خلايا الدماغ، فيُسرّع عملية الشيخوخة ويُضعف الذاكرة.
كما أن تناول كميات كبيرة من السكريات المكررة والأطعمة المصنعة يُحفز إفراز السيتوكينات الالتهابية، وهي مواد تُسبب التهابات مزمنة تُضعف الإشارات العصبية.
تؤكد الدراسات أن هذا الالتهاب المستمر يُعجّل من تدهور القدرات الإدراكية ويزيد من خطر الإصابة بالخرف بنسبة تصل إلى 60% لدى مرضى السكري من النوع الثاني.
منتجات التحلل السكري المتقدّمة (AGEs).. صدأ الدماغ الصامت
عندما يرتبط السكر بالبروتينات أو الدهون داخل الجسم، تتكوّن مركبات تُعرف باسم منتجات التحلل السكري المتقدّمة (AGEs).
هذه المركبات تتراكم بمرور الوقت داخل الدماغ وتؤدي إلى تصلب الأنسجة وتلف الخلايا العصبية.
تُشير دراسة نُشرت عام 2021 في مجلة Neuroscience Research إلى أن المستويات العالية من AGEs ترتبط بـ زيادة الالتهاب العصبي وفقدان الذاكرة، مما يدعم فكرة أن ارتفاع السكر لا يؤثر على الجسم فقط، بل يُصدّأ الدماغ حرفيًا من الداخل.
هل يمكن الوقاية من "السكري الدماغي"؟
الخبر الجيد أن هذا النوع من التدهور ليس حتميًا، ويمكن تأخير ظهوره أو الوقاية منه عبر التحكم في سكر الدم ونمط الحياة.
أهم النصائح للحفاظ على دماغك حادًا وصحيًا:
1. اتباع نظام غذائي متوازن منخفض السكر، يعتمد على الخضراوات والفواكه الطازجة والحبوب الكاملة.
2. ممارسة النشاط البدني بانتظام، مثل المشي السريع أو السباحة لتحسين حساسية الأنسولين.
3. الحفاظ على وزن صحي، لأن السمنة تُفاقم مقاومة الأنسولين.
4. تقليل التوتر والنوم الجيد، فقلة النوم تُخل بتوازن الهرمونات وسكر الدم.
5. الفحوصات الدورية، خصوصًا بعد سن الأربعين، لمراقبة سكر الدم ووظائف الدماغ.