تمكّن بنيامين نتنياهو من الحفاظ على موقعه رئيساً للحكومة الإسرائيلية منذ عام 2009، باستثناء فترة قصيرة بين عامي 2021 و2022، حين نجحت قوى المعارضة في تشكيل حكومة برئاسة نفتالي بينيت. والتي لم تصمد طويلاً، إذ انهارت بعد عام واحد، ما أدى إلى إجراء انتخابات مبكرة أعادت نتنياهو مجددًا إلى رئاسة الوزراء.
وعلى الرغم من اتفاق غالبية الجمهور الإسرائيلي على مسؤولية نتنياهو عمّا آلت إليه الأمور على كافة المستويات، واعتباره أحد أبرز المسؤولين عن إخفاق السابع من أكتوبر، إلا أن حزب الليكود مازال يتصدر استطلاعات الرأي بين الجمهور الإسرائيلي حتى هذه الساعة. صحيح أن الليكود يتفوق، لكنه بمثابة تفوق العاجز، حيث لا مؤشرات، وفقاً لذات الاستطلاعات، على قدرة نتنياهو على تشكيل حكومة يمينية موالية على غرار الحكومة الحالية، خصوصاً مع تراجع شعبية أحزاب اليمين في إسرائيل نتيجة تراكم ملفات الفساد، وقانون التجنيد، والملف الاقتصادي، واضطراب العلاقة بين الحكومة وكافة أجهزة الدولة القضائية والعسكرية، الأمر الذي يجعل مستقبل الحكومة المقبلة- إن شكّلها نتنياهو- عرضة للانهيار السريع.
على الجانب الآخر، افتقرت المعارضة الإسرائيلية خلال فترات تولي نتنياهو الحكم إلى القدرة على التأثير على الناخب الإسرائيلي. يعد غياب شخصية تحظى بثقة الجمهور وتتمتع بكاريزما القيادة وقادرة على صياغة خطاب معارض رصين أحد أبرز الإشكاليات التي أضعفت تيار المعارضة في إسرائيل. فبعد ابتعاد ايهود باراك وذبول حزب العمل، تراجعت قوى "اليسار" في المشهد السياسي الإسرائيلي، رغم الفرص اللافتة التي قدمها لهم أداء نتنياهو كرئيس للوزراء خصوصاً في ملفي العلاقة مع واشنطن والاقتصاد. تشكلت أحزاب مثل "كاديما"، ويوجد مستقبل "يش عتيد"، وأبيض أزرق "كاحول لفان" وافتقرت جميعها لقاعدة حزبية مؤسسية قادرة على تصعيد كادر حزبي متماسك، فأصبحت في نظر الناخب الإسرائيلي أحزاب كرتونية تتمحور حول الشخصيات دون أيديولوجية سياسية واضحة. كما تفككت هذه الأحزاب بعد كل جولة انتخابات، ما أدى إلى تشرذم معسكر المعارضة أكثر.
ربما تعد محاولة حزب أزرق أبيض برئاسة غانتس هي الأبرز في سعي المعارضة إلى كسر هيمنة نتنياهو والليكود سياسياً. فبعد أن حصل الحزب على عدد مقاعد مساوِ لحزب الليكود بواقع 35 مقعداً في انتخابات 2019-2020، بدد قرار غانتس الانضمام إلى حكومة وحدة إلى جانب نتنياهو زخم هذا الحدث وأفرغه من مضمونه. بل ذهبت بعض الأوساط السياسية إلى اعتبار قرار غانتس بمثابة خيانة للمعارضة، كما بدد ثقة الجمهور ليس فقط في غانتس وإنما في البدائل السياسية لنتنياهو. هو الخطأ الذي استغله نتنياهو ووظفه لصالحه جيداً ومفاده أن حتى من يعارضونه لا يسعه سوى أن يعمل معه في النهاية.
تمكن نفتالي بينيت اسقاط نتنياهو من على رأس الحكومة وتشكيل ائتلاف حكومي واسع ضمن اتفاق التناوب على رئاسة الوزراء بينه وبين المعسكر الوطني "لابيد – غانتس"، الذي انشغل بالصراع على الزعامة، ما دفع الحكومة إلى السقوط وعودة نتنياهو مرة أخرى، وشرذم المعارضة المشرذمة أصلاً مرة أخرى. فكان البديل الطبيعي أمام الناخب هو البحث عن أحزاب مستقرة وبأجندة واضحة للتصويت لها.
الزخم الشعبي الذي تركته حركة الاحتجاجات على الحرب والمطالبة بعودة الرهائن، بالإضافة إلى الاحتجاجات على تقويض حكومة نتنياهو الممنهج للأجهزة القضائية والشرطية هرباً من الملاحقة على خلفية تورط رئيس الحكومة وبعض وزرائها في قضايا فساد، من شأنه تمكين أحزاب المعارضة من اقتناص مقاعد إضافية من اليمين الإسرائيلي، شريطة أن يحسّن معسكر المعارضة من قدرته على تطوير خطاب إعلامي قوي ومقنع للجمهور، واختيار قيادة موحدة تلتقط إشارات الشارع وتقوده، وأن تنحي جانباً صراعها على الزعامة. فالهدف الأسمى للشارع الإسرائيلي الآن هو إسقاط نتنياهو، وتفكيك بنية الدولة الدينية التي يراها الليبراليون والعلمانيون في إسرائيل المسمار الأخير في نعش الديمقراطية الإسرائيلية ومدنية الدولة.