عادل السنهورى

المتحف المصري الكبير...قصة حضارة وحكاية شعب

السبت، 01 نوفمبر 2025 01:00 ص


صروح مصر الثقافية والعلمية والمعرفية لم يتوقف بناءها وتأسيسها على أرض مصر منذ عشرات القرون. جاء علماء وفلاسفة العالم وخاصة من أوروبا الى أرض الكنانة لينهلوا منها ويتعلموا فيها علوم الطب والهندسة والفلسفة والفلك والحساب وغيرها من العلوم وتأثروا بفنونها وآثارها وحضارتها القديمة

من 23 قرنا من الزمان جاء الفلاسفة والعلماء من أوروبا لينهلوا من العلوم والمعرفة داخل مكتبة الاسكندرية القديمة التي تميزت بمعمار فريد وتصميم مميز لم يسبق له مثيل في ذلك العصر. وضمت حوالي 700 ألأف مجلد لمختلف علوم الحضارات الفرعونية والاغريقية وتعرضت المكتبة لحريق تسبب في دمارها بالكامل في العام 48 قبل الميلاد.


وفي العصر الحديث بناء واحد من أشهر المتاحف العالمية في قلب القاهرة عاصمة المحروسة وهو المتحف المصري بميدان التحرير الذي يرجع تاريخ  إنشائه إلى عام 1835 وكان موقعه بحديقة الأزبكية، حيث ضم وقتها عدداً كبيرًا من الآثار المتنوعة، ثم نُقل بمحتوياته إلى قاعة العرض الثانية بقلعة صلاح الدين، حتى فكر عالم المصريات الفرنسي أوجوست مارييت الذي كان يعمل بمتحف اللوفر في افتتاح متحف يعرض فيه مجموعة من الآثار على شاطئ النيل عند بولاق، وعندما تعرضت هذه الآثار لخطر الفيضان تم نقلها إلى ملحق خاص بقصر الخديوي إسماعيل بالجيزة، ثم جاء عالم المصريات جاستون ماسبيرو وافتتح عام 1902 في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني مبنى المتحف الجديد في موقعه الحالي في قلب القاهرة.


المتحف المصري بالتحرير يعتبر من أوائل المتاحف في العالم التي أسست لتكون متحفًا عامًا على عكس المتاحف التي سبقته، يضم المتحف أكثر من 180 ألف قطعة أثرية أهمها المجموعات الأثرية التي عثر عليها في مقابر الملوك والحاشية الملكية للأسرة الوسطى في دهشور عام 1894، ويضم المتحف الآن أعظم مجموعة أثرية في العالم تعبر عن جميع مراحل التاريخ المصري القديم.


مصر كانت أول دولة تتمتع بحدود حقيقية منذ 2100 قبل الميلاد لها حكومة مركزية ونظام سياسي واجتماعي وذاع شهرتها بين العالم القديم بتقدمها في الطب والهندسة وعلوم الفلك والفن والعمارة والفلسفة الفكرية الاخلاقية .


كان المصريون القدماء منشغلون في بناء الحضارة وتشييد المعابد والاهرامات ولديها المهندسين والعلماء في كافة المجالات ولديها جيش قوي وامبراطورية ضخمة ودستور وقوانين، في الوقت الذي كانت فيه الانسان الاوروبي يعيش على جمع أوراق الشجر ليأكله ، ويصارع الحيوانات ويعيش حياة التجول والترحال وباقي العالم تائه في الصحراء  يرعى الأغنام ويقاوم قطاع الطرق واللصوص ويعيش في حروب وصراعات  قبلية.


مصر على مر العصور كانت دولة قوية تقود بقوة العلم بالعلم والمعرفة والثقافة وليس بقوة السلاح والعدوان والاحتلال. ولذلك عاشت الحضارة المصرية بعظمتها ومجدها وأصبح لدى مصر وحدها علم يسمى " الجيبتولوجي" أو علم المصريات يدرس في أكاديميات وجامعات العالم المعنية بالحضارات القديمة وبصفة خاصة الحضارة المصرية أقدم حضارات العالم.


هكذا نشأ المصريون القدماء وتربوا في مجتمع راق في أزمنة لم تعرف انسان سوى المصريين وحمل الراية من بعدهم أجيال وأجيال ترسخ بداخلها الجين الحضاري والرسالة التاريخية وهي أننا دولة وشعب عاش من أجل البناء وتشييد حضارته وتصدير الفنون والعلوم الى باقي العالم. شعب ودولة عاشت من أجل السلام للجميع لشعبها ومن أجل اليها طالبا للعلم والمعرفة والثقافة أو لاجئا من الاضطهاد والملاحقة والخوف والضياع  في بلاده


قيم ومعتقدات ومعاني سامية صاغها المصريون منذ آلاف السنين ومازالت تستقر كجينات متوارثة بداخلهم. نحن بناة حضارات ولسنا طغاة أو غزاة أو أعداء للانسانية. دعاة سلام لا هواة حروب ودمار وقتل. نحمل أغصان الزيتون ونرفع مشاعل العلم والمعرفة من أجل باقي شعوب العالم، ولا نرفع السلاح في وجه أحد الا من حاول المساس بنا أو الاعتداء علينا.


هذا ما ينبغي أن يدركه العالم الذي ينتظر بشغف كبير حفل الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير ، أكبر متحف للآثار في العالم. نحو نصف سكان العالم وعبر منصات التواصل الاجتماعي وعشرات الفضائيات ووسائل الاعلام العالمية والاقليمية ستنقل هذه اللحظة التاريخية الفارقة في تاريخ الانسانية. لحظة يلتقط فيها التاريخ  أنفاسه ويسترد بعض هدوءه ويرفع القبعة تحية وتقدير وعرفان لدولة مازالت رغم كل التحديات والمصاعب والأزمات التي تواجهها تبني للانسانية صروحا كبرى للتاريخ والحضارات والآثار والعلم وتثبت إن الحضارة هي قصة متواصلة ومستمرة لا تنتهي على أرض مصر ..قصة تنشر معاني الأمن والسلام والمحبة والتسامح والتآخي


هذه باختصار قصة المتحف المصري الكبير ..قصة حضارة وحكاية شعب . ليس مجرد افتتاح ننتظر من وراءه عوائد وفوائد اقتصادية واجتماعية وانما رسالة من أعماق التاريخ المصري والانساني القديم الى العالم المعاصر مفادها أن السلام والبناء والحضارة هو الباقي لالاف السنين.. وأن مشعلو الحرائق ومدمنو الحروب والصراعات الى زوال.


المتحف المصري الكبير ليس مجرد جدران وطرقات وغرف ومعامل لكنه مشروع حضارة ملهم لدولة عريقة ممتد ومتصل وجسر يربط بين حضارة آلاف السنين، وبين مستقبل يقوده العلم والتكنولوجيا. هو الانجاز الانساني الأكبر في القرن الـ21 الذي يستعيد روح الماضي وحضارته بلغة الحاضر والمستقبل


إنجاز المتحف المصري الكبير يذكرنا بأن الحضارة المصرية العريقة كانت ملهمة لبقية الحضارات فى العالم القديم وكما قال المؤرخ اليونانى هيرودوت حينما زار مصر فى القرن الخامس قبل الميلاد : " «من يريد أن يتعلم الحكمة فليذهب إلى مصر."


كل الشكر للرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أصدر تعليماته عام 2015 – رغم الظروف العصيبة والتحديات الصعبة التي واجهتها مصر- لاستكمال تنفيذ المشروع الحلم الذي توقف مع أحداث يناير 2011 وتابعه بنفسه حتى أصبح الحلم واقعا وحقيقة.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب