تعيش البرازيل وأمريكا اللاتينية خلال السنوات الأخيرة موجة صادمة من الوفيات والمآسى الناتجة عن عمليات التجميل، بعدما تحولت هذه الإجراءات التى كان يُفترض أن تمنح "الثقة والجمال" إلى كابوس يحصد أرواح المشاهير والمؤثرين فى عالم الموضة والفن.
أحدث هذه القصص المأساوية كانت وفاة المؤثر وخبير التجميل البرازيلى جونيور دوترا (31 عامًا)، الذى توفى مطلع أكتوبر الحالى نتيجة مضاعفات بعد عملية foxy eyes أو عيون الثعلب، وهى جراحة تهدف لرفع أطراف العين والحاجب للحصول على مظهر نظرة القطة الشهير بين نجمات مثل بيلا وجيجى حديد، دوترا خضع للجراحة فى مارس الماضى، لكنه عانى لاحقًا من التهابات شديدة وعدوى خطيرة فى الوجه انتهت بوفاته المفاجئة.
لكن دوترا ليس حالة معزولة، ففى عام 2023، توفيت المغنية البرازيلية فاليسكا نيفيس إثر سكتة قلبية بعد خضوعها لعملية شفط دهون فى إحدى العيادات الخاصة بريو دى جانيرو، كما لقيت المؤثرة البرازيلية لويزا باروس مصرعها بعد فشل عملية تجميل لأنفها تسببت فى نزيف داخلى حاد.
كما توفى انفلونسر برازيلى، يدعى ريكاردو جودوى عن عمر يناهز الـ 45 عاما، بعد خضوعه للتخدير لرسم وشم "تاتو" على ظهره، حسبما قالت صحيفة الموندو الإسبانية.
وبحسب العديد من المصادر، استأجر جودوى استوديو وشم محليًا لإكمال رسمة جديدة على ظهره. وذكرت التقارير أنه أصيب بسكتة قلبية أثناء وجوده على طاولة رسم التاتو.
وبحسب الصحيفة، كان من المقرر أن يتم إجراء وشم جودوى تحت تأثير التخدير العام، وتعى عدد من أصدقائه على حسابه الرسمى على إنستجرام " اليوم نقول وداعا لريكاردو جودوى، الشخص المذهل الذى ترك بصمته على قلوب كل من حظى بشرف معرفته"، و"فرحته وكرمه ونوره سيبقى حاضرًا فى ذاكرتنا وفى كل قصة ساهم فى بنائها."
وفى بيرو، توفيت العارضة والمؤثرة كاميلا أورتيجا بعد خضوعها لعملية لتكبير الأرداف فى مركز غير مرخص، مما أثار جدلًا واسعًا حول ضعف الرقابة الصحية فى المنطقة.
وتحتل البرازيل المركز الثانى عالميًا بعد الولايات المتحدة فى عدد عمليات التجميل، حيث تُجرى سنويًا أكثر من 1.5 مليون عملية، بحسب الجمعية الدولية لجراحة التجميل. وتُقدر نسبة العمليات غير القانونية أو التى تُنفذ فى مراكز تجميل غير معترف بها بأكثر من 25% من الإجمالى، وهى النسبة الأعلى فى أمريكا اللاتينية.
ويرى الخبراء، أن الظاهرة ترتبط بعدة عوامل، أبرزها ضغط وسائل التواصل الاجتماعي وثقافة المثالية الجسدية التى تدفع المؤثرين والمشاهير لتغيير ملامحهم باستمرار للحفاظ على الشهرة. ومع اتساع سوق الجمال وتأثير تطبيقات مثل إنستجرام وتيك توك، أصبح هوس المظهر المثالى تجارة ضخمة تغذيها مراكز تجميل تقدم وعودًا سريعة دون ضمانات طبية حقيقية.
وقال الطبيب البرازيلى مارسيلو ليما، أخصائى الجراحة التجميلية، إن "الكثير من الضحايا يقعون فريسة للإعلانات المضللة"، موضحًا أن بعض الأطباء يجرون أكثر من خمس عمليات فى اليوم دون تقييم صحى شامل للمريض، ويضيف أن النتيجة هى مضاعفات خطيرة مثل الجلطات والالتهابات والنزيف، التى يمكن أن تنتهى بالموت.
كما تشهد منصات التواصل الاجتماعى فى أمريكا اللاتينية موجة من التحذيرات من عمليات التجميل الرخيصة التى تُقدم فى صالونات غير مرخصة أو على يد أشخاص لا يمتلكون مؤهلات طبية، ورغم حملات التوعية، لا يزال الإقبال مرتفعًا بسبب الفوارق الاقتصادية وارتفاع تكلفة الجراحات الآمنة فى المستشفيات المعتمدة.
فى المقابل، تحاول الحكومات المحلية احتواء الظاهرة، ففى البرازيل، أعلنت وزارة الصحة فى سبتمبر الماضى عن خطة وطنية لتشديد الرقابة على مراكز التجميل الخاصة، وإلزام الأطباء بتسجيل كل عملية فى قاعدة بيانات مركزية، بعد أن كشفت التحقيقات عن أكثر من 200 حالة وفاة مرتبطة بممارسات غير قانونية خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
وتشير تحليلات اجتماعية إلى أن الهوس بالجمال فى أمريكا اللاتينية ليس مجرد مسألة مظهر، بل يعكس ضغوطًا ثقافية واقتصادية عميقة، فالجمال يُنظر إليه كوسيلة للترقى الاجتماعى، خاصة فى مجتمعات تعانى من البطالة وعدم المساواة، حيث يمكن للمظهر اللامع أن يفتح أبواب الشهرة والفرص.
إلا أن المآسى المتكررة دفعت كثيرون لإعادة التفكير. فبعد وفاة جونيور دوترا، أطلق نشطاء على إنستجرام حملة بعنوان الجمال لا يستحق حياتك، داعين إلى تعزيز التوازن بين الثقة بالنفس والسلامة الصحية.