العلاقات المصرية - السعودية، تاريخية وقوية، رغم أنف مشعلى الفتن من ذباب إلكترونى تقوده أجهزة معادية، ومحاولات جماعات وتنظيمات مغرضة، مضللة، تزكى الفرقة، وتتغذى على تقطيع نسيج روابط الدم والعقيدة واللغة بين الشعبين الشقيقين، وأن العواصف والأزمات الإقليمية والدولية، تزيدها متانة وقوة، على كل المستويات الرسمية والشعبية.
العلاقة القوية، بين أرض الكنانة وبلاد الحرمين الشريفين، لا تصب فى مصلحة الشعبين الشقيقين، فحسب، ولكن فى مصلحة الأمتين العربية والإسلامية، وأن كل منهما منحه الله منحة من التأثير والقدرة والجدارة، يتفرد بها، لا تتقاطع وإنما مكملة لبعضها البعض، فى ترتيب قدرى للأدوار، وكأنها رسالة جوهرية مفادها لا يمكن استغناء أحدهما عن الآخر، فالمملكة هى الأرض التى كان يمشى عليها خير الأنام، رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وأن تتكحل عيون الزائرين بالنظر إلى بيت الله الحرام، وأن يسعدوا بالصلاة فى مسجد رسول الله، وأن يسيروا فى هذه البلاد، التى شهدت هبوط الوحى من السماء.
وفى المقابل، فإن مصر تجلى على أرضها المولى عز وجل، وذُكرت فى الكتب المقدسة، ومنها القرآن الكريم الذى اختصها بالأمن والأمان وأنها خزائن الأرض، كما اقترن اسمها وشعبها بمباركة الله فى الإنجيل، لذلك لجأ إليها الأنبياء والرسل طلبا للأمن والأمان.
تأسيسا على ذلك، فإن ما يجمع بين القاهرة والرياض، الكثير، وأن رؤيتهما الاستراتيجية تجاه قضايا المنطقة، واحدة وتشكل محورا أساسيا فى معادلة الأمن القومى العربى، لما تمثله الدولتان من ثقل سياسى واقتصادى وثقافى، وأن التعاون بينهما أسهم بشكل واضح فى تعزيز الاستقرار ومساندة الأمة فى تجاوز الأزمات.
لكن يتبقى أن ذاكرة المصريين محفور على جدرانها كل الامتنان والتقدير لمواقف المملكة فى حرب أكتوبر 1973 عندما سطر الأشقاء موقفا لا يمكن لوحش النسيان المفترس أن ينال منه، ويظل علامة مضيئة يتوارثها المصريون جيلا بعد جيل، فقد كان الدعم السعودى لمصر متكاملا، ويأتى فى المقدمة قرار العاهل السعودى الملك فيصل بن عبدالعزيز، بقطع البترول العربى عن الغرب، وهو القرار الذى كان بمثابة ضربة قوية فتحت الطريق للنصر العظيم.
وعلى وجه التحديد، أنه فى 17 أكتوبر من العام 1973 وعقب اندلاع الحرب بأيام قرر الملك فيصل استخدام سلاح البترول فى المعركة، ودعا لاجتماع عاجل لوزراء البترول العرب فى الكويت، وخلال الاجتماع تقرر تخفيض الإنتاج الكلى العربى بنسبة 5 %، وتخفيض 5 % من الإنتاج الشهرى حتى تنسحب إسرائيل إلى خطوط ما قبل يونيو 1967، كما قررت بعض الدول العربية حظر تصدير البترول كلية إلى الدول التى يثبت تأييدها لإسرائيل.
وأعلنت السعودية وقف بيع البترول للغرب، لدفع الدول الغربية إلى إجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضى العربية المحتلة، كما أعلنت أنها ستوقف إمدادات النفط إلى أمريكا والدول الأخرى التى تؤيد إسرائيل فى صراعها مع سوريا ومصر.
هذا الموقف المشرف، والذى ساهم فى دعم مصر فى حربها ضد إسرائيل، وتمكنها من قهر الجيش الذى كان يترنم بأنه الجيش الذى لا يهزم، علامة فارقة فى العلاقات بين البلدين، وأن المصريين لا يمكن أن ينسوا هذه القرار المصيرى سياسيا واستراتيجيا.
وبعد 40 عاما بالتمام والكمال من قرار المملكة بقطع البترول ودعم مصر فى حرب أكتوبر، كانت المملكة حاضرة بقوة عندما خرج الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ببيان فارق، لدعم ثورة الشعب المصرى فى 30 يونيو 2013 وهو البيان الذى يعد العمود الفقرى للاعتراف الدولى بثورة الشعب، وتوضيح أن 30 يونيو تعبير حقيقى وواضح لإرادة أمة تجاوز عددها المائة مليون.
وأعلن الملك عبدالله، حينها بأن «مصر ستستعيد عافيتها»، مؤكدا أن السعودية «شعبا وحكومة» تقف مع مصر ضد الإرهاب والضلال والفتنة، وتجاه كل من يحاول المساس بشؤون مصر الداخلية وعزمها وقوتها وحقها الشرعى لردع كل عابث أو مضلل لبسطاء الناس من أشقائنا فى مصر.
عبارات قوية، واضحة، لا لبس فيها، تعبر عن قوة موقف المملكة فى مساندة شقيقتها مصر، بل وأرسل الملك عبدالله، وزير خارجيته الأمير سعود الفيصل، لجولة أوروبية لتوضيح الصورة، وأن ثورة 30 يونيو ثورة شعبية، وأدلى بتصريحات قوية تهاجم جماعة الإخوان الإرهابية.
موقفان فارقان من مواقف أخرى عديدة، يعبران عن متانة وقوة العلاقة بين الأشقاء، وأن المصريين لا يمكن أن يسمحوا بوحش النسيان أن ينال من الذاكرة، ليظلا مضيئين ينيران للأجيال جيل بعد جيل، يتذكرونها للأشقاء بكل الود والتقدير.