حازم حسين

الجدل فى غزة والحسم من أوسلو.. رد حماس وفاصل الأيام الرمادية فى خطة ترامب

الأحد، 05 أكتوبر 2025 02:00 م


بعد يومين تحل الذكرى الثانية لطوفان السنوار، وبنهاية الأسبوع تعلن جائزة نوبل عن الفائز لعام 2025. وترامب يقف الآن على أطراف أصابعه؛ ليكون إحياء المناسبة تحت لافتة التسوية لا إطالة أمد الحرب، وذلك طمعا فى اقتناص اللقب الذى يحسد عليه أوباما، ويعتبر تفويته له تلك المرة إهانة للولايات المتحدة بكاملها.

ما يجعل الأيام القليلة المقبلة فاصلا حقيقيا، ورماديًّا، بين الأمل والقنوط، وربما فرصة أخيرة للخروج من المأساة بأقل الخسائر الممكنة، قبل أن يتبدد عشم الرئيس الأمريكى فى الميدالية الدولية الرفيعة، ويعود للرقص ثانية على إيقاع نتنياهو.

يضغط الرجل بكل ثقله لإنجاز المهمة فى الموعد المناسب؛ لهذا أدار محركاته على أقصى سرعة لها منذ الجمعية العامة للأمم المتحدة.

منحَ تل أبيب هامشا لتعديل المسوّدة دون تشويه ملامحها، وسعى لإكساب ورقته صفة عربية إسلامية فى اجتماعه مع قادة وممثلى ثمانى دول، ثم كثّف رسائل الترغيب والترهيب لانتزاع الموافقة من حماس.

وقبل أن تنقضى مهلته المحددة بمساء الأحد، فاجأته الحركة بإعلان القبول الإيجابى ظاهرا، والمشروط ضمنيا، وكانت المفاجأة الأكبر فى استحسانه للرد دون الوقوف على الجوانب الخفيّة فيه. والغالب أنه لم يتوقف أمام التفاصيل؛ بل اكتفى بالتحصل على الحد الأدنى الذى يريده وقتيا.

جاء الرد ذكيا من دون شك؛ إذ بدا الحماسيون للمرة الأولى كأنهم يتفهمون شخصية سيد البيت الأبيض، ويُغازلون ذاته المتضخمة وطموحاته المعلقة على أزمات الآخرين.

وعامل الذكاء أن الحركة صاغت الرسالة بإيجابية خالصة؛ فصمتت عمّا لا يعجبها من بنود الخطة، وتقبّلت ما يوافق هواها بإقرار كامل، ومن دون استدراك أو استطراد وتعليق على جملة "ولكن".

لا سيما أن الشق الذى يعنيها وحدها من التصوّر المطروح، ينحصر فى بند الأسرى وإنجاز عملية التبادل ضمن المخطط الزمنى المحدد، وبعدها تتقاطع كل التفاصيل الباقية مع الداخل والخارج، وتصبح شريكا بين متساوين فى أحسن الظروف، وليست طرفا مهيمنا على ورشة التفاوض أو قادرا على توجيهها أو تحديد مساراتها النهائية.

على طريقة نظريات البرمجة اللغوية العصبية، صيغت أطروحة حماس بلغة لا تستفز جدار الرفض والاعتراض فى دماغ ترامب. لا يحب الرجل كلمة "لا"؛ لذا لم يشتمل البيان عليها ولو لمرة واحدة.

ومع قدر من المديح أو الإشادات المحسوبة؛ ثم إبداء التسليم بأى جزء من البنود المعروضة على الطاولة؛ سيعتبر أنه أنجز الجانب الأهم من برنامجه، ويغض الطرف عن المسكوت عنه؛ مؤقتا على الأقل، ولحين الدخول فى لحم الخطة وبروز الشيطان من ثنايا التفاصيل. وهى النقطة التى سيسعى الصهاينة للنفاذ منها حاليا؛ وستظل مغلقة عليهم فى الغالب، أقلّه حتى الجمعة المقبلة.

يتحمس ترامب سريعا، وانطفاء حماسته أسرع. ومن المعروف للجميع أن مواقفه محكومة بالمزاجية والانفعال، تتبدل بإيقاع لاهث، ولا يطيل البقاء على حال، وكل أحواله قليلة الصلاحية زمنيا.

ما يعنى أن الإيجابية التى تلقى بها رد حماس، لجهة اعتقاده برغبتهم فى سلام دائم، ومطالبته إسرائيل بالتوقف عن القصف لإفساح مجال تجميع الرهائن استعدادا لمبادلتهم، قد تنقضى سكرتها بمُجرد أن تطرأ العقبات التنفيذية المتوقعة، أو يسأل كل طرف عن المقابل الوقتى، ومجريات المراحل التالية.

وتظل خسارته شبه المؤكدة لنوبل طوقا خانقًا فى رقبة الخطة، وعامل تهديد بانقلاب أشد صخبا وتأججا بجحيم الكرامة المهدرة والخيارات المدمرة.

والحال؛ أنه لم يتحرر من رؤية نتنياهو للصراع أو يتمرد عليها، بل يُرشّد اندفاعة الحليف لغرض فى نفسه. ما يجعل الوقت عبئا على الفصائل، وحليفا للاحتلال وأجندته الرامية إلى إفساد المقاربة.

وما لم تُحسم الأمور الكبرى على وجه الاستعجال، فستكون المناورة فى شق الرهائن استدراجا لحماس فى الورقة الوحيدة التى تملكها، ثم تعود عارية من كل ما يمكن التفاوض عليه، وخنجرا فى خاصرة غزة ومحاولات انتشالها من ضياعها الراهن. أى أن تجزئة الملفات وفصلها عن بعضها، أخطر ما يمكن أن تتسلح به فى الجولة الحالية.

وعليها بدلا من ذلك؛ أن تصر على تشابك الخيوط وتتابع المراحل، دون إرجاء ما تعتبره ثابتا أيديولوجيا لديها، وهو فى حقيقته عقبة كبرى تهدد القطاع والقضية كلها؛ حالما تتحرر الحرب من قيد الرهائن.

ومَكمنُ الخطورة إنما ينبع من طبيعة الرد نفسه، وأنه ليس ناتجا عن قناعة ذاتية بتعقّد المسارات وحاجتها لقدر من العقلانية والتنازل. إذ لم يطرأ على الذهنية الحماسية ما يدفعها كل تلك المسافة إلى الأمام، والأرجح أن بيانها الأخير نشأ عن توافقات معقدة مع الحلفاء والوسطاء، أى بضغوط عملية من الدول وثيقة الصلة بالملف، كان أقصى ما توصلت إليه أن تأخذ منهم الإيجابى وتُرجئ السلبى لموعد لاحق.

لهذا؛ لم يكن غريبا أن يخرج موسى أبو مرزوق بعد ساعات لينسف جانبا من النوايا الحسنة فى الورقة، جازما بأن السلاح وثيق الصلة بالاحتلال، وأنه سيُسلّم للدولة الفلسطينية أو الإدارة الوطنية الوارثة لسلطة الحركة فى القطاع.
تتحدث الحركة بلسانين، فى وقت لم يعد يحتمل تلك الرفاهية على الإطلاق. لكن الطبيعة الملتبسة لأيام الارتياب قبل ذكرى الطوفان وتحديد الفائز بنوبل، تسمح لها باستكشاف الأرض واختبار حدود المناورة المقبولة؛ شريطة أن تكون جاهزة للارتداد وإعادة تكييف خطابها بحسب التطورات. لا سيما أنها تعرف بالتأكيد أن ترامب يفوّت الإشارات بملء إرادته، وليس عن جهل أو فهم خاطئ للمضامين ومراميها البعيدة والقريبة.

وأسوأ الاحتمالات أن يُصدَم فى توقعاته الخاصة؛ فيعود لسيرته الأولى فى التلويح بالجحيم وإطلاق يد الاحتلال لحسم المسألة على طريقته؛ لكن أحسنها لا يقل سوءا أيضا، إن ابتلع المقايضة الظرفية وسعى إلى العبور بالصفقة رغم المنغصات، ووقتها لن تجد الحركة نفسها خارج ترتيبات اليوم التالى فحسب؛ بل فى مواجهة إجماع داخلى على شروط التسوية، فضلا على الموقف الإقليمى والدولى الذى سيكون شريكا مباشرا فى تفعيل ما تبقى من بنود الخطة.

ومعلوم أن رؤية الرئيس الأمريكى لا تطلب من الفصائل إلا استيفاء الرهائن، ثم تضع البدائل لاحقا حال التعطيل أو تمرد عناصر حماس على بقية المسائل الإجرائية؛ إذ تنص على تسليم المساحات الواقعة تحت سيطرة الجيش الإسرائيلى للسلطة الدولية الانتقالية، مجلس السلام بقيادة ترامب وبلير، تعاونه إدارة فلسطينية تكنوقراطية وغير فصائلية.

ما يعنى انتزاع ثلاثة أرباع القطاع لإلحاقها بالمسار الجديد، مع إبقاء كتائب القسام محصورة فى جيوب ضيقة لن تكون مؤثرة عمليا، فضلا عن أن قدرتها على الإزعاج ستتوجه للجانب الخطأ، ممثلا فى الولاية الدولية وجهاز الأمن المحلى الجديد، ما يجعل خيار المقاومة وقتها مروقا من الأجندة الوطنية أولا، وحربا على الإقليم والعالم، والأخطر أنه يحمل نُذر التسبب فى تقسيم غزة نفسها، بعدما كانت الحركة متهمة بقص شريط الانقسام الوطنى طمعا فى الاستئثار بالشريط الساحلى الضيق.

ولا خلاف على أن الورقة مليئة بالفخاخ، وكان موقف مصر منها واضحا للغاية على لسان وزير الخارجية بدر عبد العاطى، بالإشارة إلى حاجتها لمزيد من النقاش بشأن التفاصيل الفنية والميدانية، وخرائط وآجال الانسحاب، وعدم تحديد نقاط ومواقيت واضحة، بما يترك المسألة سائلة وتحت عُهدة الاحتمالات ومحاولات الاحتلال للتملص من تعهداته.

وهو ما يشبه الفيتو على تتابع المراحل بدءا من تفعيل الولاية الانتقالية، ولحين نقل المسؤولية للسلطة الوطنية واستكمال مسار البحث فى التسوية النهائية ونشوء الدولة المستقلة. وكلها ملاحظات جديرة بالبحث، وستكون محل جدل مركب ومتصاعد طوال المهلة الانتقالية غير المحددة.

إنما يجب ألا تكون عائقا راهنا على طريق الانتقال من وضعية الحرب إلى خيار السلم المحكوم بالصفقة ذاتها، ثم والأهم بما فوق ذلك من رؤى أطرافها الإقليميين والدوليين، وبحصانة الحقوق التاريخية المؤطرة بقرارات وقوانين دولية راسخة، ولا سبيل للانقلاب عليها فى أزمنة التهدئة، كما كان فى زمن الحرب.

والقصد؛ أن الحركة لو كانت تناور فى ردها لاحتواء ضغوط الشركاء وثيقى الصلة بالقضية، فإن كلفة التلاعب بترامب أكبر من محاولات خداع الوسطاء، أو التلطى مرحليا وراء تأجيل النظر فى مسائل السلاح وتنحى حماس وبقية الفصائل الرديفة عن واجهة المشهد، على أمل أن يتعثر مسار التوافق الوطنى على بديل يضمن استقرار مسار التهيئة الفلسطينية لبيئة القطاع بما يعيدها تحت المظلة الوطنية لمنظمة التحرير وسلطتها الشرعية.

لأن الرهان هنا ينفتح على استنفار الإدارة الأمريكية بعدما تكون قد تحصلت على مرادها، واستكشفت حدود ما تمنحه لها الصفقة سياسيا ومعنويا، ليصبح الارتداد بعدها إلى أفق الحرب خاليا تقريبا من الأعباء؛ اللهم إلا سؤال الإنسانية والضمير، وهو ما لا يُشكّل قيدا على البيت الأبيض، ولن يكبح حكومة اليمين فى تل أبيب طالما أنها تستند إلى جدار ترامب.

الفقرة الأخيرة من بيان حماس، أحالت بقية القضايا الخاصة بمستقبل القطاع وحقوق الشعب الفلسطينى، إلى التدارس وصولا لموقف وطنى جامع، يستند إلى القوانين والقرارات الدولية ذات الصلة. ولعلّه أول قبول ضمنى منذ الطوفان بفكرة حل الدولتين، بما تشتمل عليه من اعتراف الفصائل بإسرائيل.

صحيح أنها ليست سابقة أولى؛ إذ تقر الحركة بالأمر منذ تعديل وثيقتها الاستراتيجية فى العام 2017؛ لكنها وقتها كانت ترحب بدولة فلسطينية على حدود يونيو 1967، دون إقرار بشرعية الطرف الآخر على بقية الجغرافيا التاريخية بين النهر والبحر.

ما يحمل دلالات رمزية مهمة لجهة الاقتناع بالهزيمة رغم المكابرة فيها، والتيقن من كُلفة الطوفان أعادت القضية عقودا للوراء، أقله من ناحية أن الشعارات الأيديولوجية لم تعد صالحة لمجرد الاستخدام العاطفى بنزعته الدعائية، ناهيك عن إنفاذها أو ضمان استدامتها فى ظل كل ما سببته من مواجع ونكبات لا قبل للفلسطينيين والقضية بها، اليوم أو غدا.

تعترف حماس بأنها أخطأت فى الطوفان، وأخفقت فى إدارة تداعياته، وبأن نجاة غزة اليوم صارت معلقة على تحلى الحركة بالشجاعة اللازمة للتخلى عن عنادها، واحتمال الأعباء التى قامرت عليها، وسداد فواتيرها الخاصة دون نزق التفلت منها أو تحميلها للآخرين.

ولا دليل على إخفاق وصفتها فى المقاومة، أكبر من أنها صارت مضطرة للاستقالة من أدوارها القديمة، عارية من إسناد الممانعة الذى راهنت عليه، ومقطوعة الوشائج تقريبا مع بيئتها الحاضنة؛ حتى أنها تُلام على النكبة كما يُلام المحتل أو يزيد.
والمفارقة أن ما تنزل عنه اليوم، وهو كبير للغاية وكان أقرب للخيال قبل شهور، لم يعد يلبى تطلعات الصهاينة بعدما تطورت أطماعهم ولامست حدود الإفناء وابتلاع الأرض بعد تجريدها من ساكنيها.

وتلك الحال تُرجح أن يذهب نتنياهو باتجاه المماطلة والإفساد، وأن تستميت الحركة؛ لو كانت صادقة، فى إنجاح ما تمردت عليه طويلا، ولا يُوصف اليوم إلا بأنه "تجرّع لكأس السم" على طريقة أردأ مما جرى للخمينى فى زمن حربه العراقية.

فكأن الصهاينة يدافعون عن بقاء كتائب القسام؛ فيما يتعين على القادة الحماسيين أن يكتبوا شهادة وفاتها بأيديهم عاجلا، أو يُواصلوا المكابرة لحين أن تُفرض عليهم، مع خيارات أسوأ ومصائر عمومية معلقة على المجهول.

يكتب زعيم الليكود الخطط وينقلب عليها، بينما تنتقل الحركة من طرح ردىء لآخر أشد رداءة. وعليها أن تضحّى بالسلاح بعدما بات عاطلا عن الفعل أصلا، أو أن تتمسك به وتخرج من التاريخ والجغرافيا معا.

وذلك؛ مع مآخذ أن تكون عقبة فى طريق الأمل، وهو ضعيف وباهت وملىء بالثغرات ومكامن الخطورة والإزعاج؛ لكنه أقصى ما يمكن أن يُحصّله الفلسطينيون اليوم، وحتى تآكل الخيارات بحالته البائسة حاليا يُرَدُّ إلى سوء الإدارة، وعمق الارتهان لأجندة أصولية "فوق فلسطينية"، أخذت الحركة من فضاء الميليشيا إلى مقاعد الحكم، ثم طرحتها خارج الصورة تماما؛ لأنها استدفأت بالعدو سابقا، واطمأنت إلى تجربة خربت أربع دول مستقلة على الأقل، ولم يكن متوقعا منها أن تستخلص الدولة الضائعة لأصحابها، لا سيما أن مصالحها تتضاد أصلا مع الصفة الوطنية الخالصة للقضية.
والمشهد الآن أقرب إلى سيارة على منحدر، خزانها مملوء بالوقود ومحركها ساخن جدا، وفرص عودتها للوراء أعلى كثيرا من احتمالات صعودها، ولا يتبقى إلا الرهان على السائق وعصا تحديد السرعات.

وفى مناخ كهذا؛ لا فرصة لبقاء الحال على ما هى عليه، ولا معنى لغير التقدم للأمام مهما كانت التكاليف.

ومن غير المفهوم مُطلَقًا ما يدّعيه البعض من أن الخطط المطروحة تحقق للعدو بالسلام ما عجز عنه بالحرب؛ لأن فى ذلك سذاجةً تفترض أن دمار القطاع، وقتل وتعويق عُشر سكانه على الأقل، مع فاصل للتعافى لن يقل عن عقدين أو ثلاثة حال كانت الأوضاع طبيعية ومواتية، كلها هوامش على متن كان يتقصده نتنياهو ولم يُصبه بالحديد والنار، فيما القياس يجب أن يكون لما بعد الطوفان على ما قبله، وليس بين دمار البشر والحجر، وبقاء القساميين أو من تبقّوا منهم حبيسى الأنفاق.

حقّقت إسرائيل أضعاف ما كانت تتمنّاه، وتُديم الحرب لأنها تسعى للمزيد؛ وليس لعجزها عن إسكات بنادق حماس تمامًا؛ بل لو تمكّنت من ذلك ما فعلته، لأنها تتربّح ببقاء الفصائل أكثر من فنائها. والقول بالعكس؛ إنما يختزل غزّة فى الحركة، ويعتبر الأنفاق مُقدّمةً على البشر والحجر، وأن بقاء الحناجر الحماسية الصاخبة يُغنى عن اختناق الفلسطينيين جميعًا بالدمع والدم.

كان القطاع قبل نزق "السنوار" بيئة صالحة للحياة، ومعزولة عن نطاقها الحيوى بالانقسام والحصار. وما حقّقه الصهاينة أنهم أعادوه إلى زمن النكبة الأولى شكلاً، وفى المضمون أقالوه من الأمل، وعقّدوا طريقه نحو الخلاص.

وصار بقاء حماس لعنةً على بيئتها وعموم فلسطين، وإطاحتها لا تقلُّ سوءًا أيضًا؛ لأنها تأتى مشمولةً بتنحية السلاح وأُفق المقاومة الخشنة، واضطرار الذين سيتسلّمون المهمَّة إلى اختبار السياسية من نقطة الضعف والهزيمة، على أن يتحدَّد الإيقاع بإرادة المُحتلّ وحليفه الأمريكى، ومن دون شراكة حقيقية فى القرار محليًّا أو إقليميًّا.

فكأن غزة والضفة ومحيطهما العربى يُسدّدون جميعًا كُلفة الغباء الحماسىّ اضطرارًا، مع مخاوف دائمة من تبعات الافتتان الأُصولىِّ بالذات، وما تمتلئ به من انتفاخٍ خطابىٍّ وانتحارٍ مجّانىٍّ.

إنه صدام مع الأيديولوجيا؛ ومن عادتها أنَّ القريب فيها يكون أكثر ضررًا من البعيد؛ لأنه فاعلٌ مباشر فى بيئته، كما أنه يستنفرُ أيديولوجيا البيئات المُضادّة بانفلاتها وفوارق قوّتها، ويُواتيها بالذرائع دومًا ومن دون تعقُّلٍ أو اتّعاظ.

تنصرف الإرادة إلى ترحيل الخلافيات. وإذا كان ترامب يُراهن على نوبل؛ فليس معروفًا ما تُراهن عليه حماس. والمؤكد أنها لا تتعشّم فى المستحيل؛ بأن يفوز الرجل بالجائزة فتأخذه حميّة صانع السلام.

ربما فى ذلك الاحتمال الوحيد لإنفاذ الخطّة دون التوقّف أمام السلاح وإجلاء قادة الحركة وبقيّة المسائل العالقة والمسكوت عنها؛ أما لو خسرها كما يُتوَقَّع؛ فغالب الظن أنه سيستجيب تحت ضغط المرارة لنزوات نتنياهو، أو يمضى برؤيته صوب انتزاع المُتاح من القطاع، وعَزل القسّاميين فى داخله.

نشطت مصر مُجدّدًا فى رعاية حوار وطنى، وهو الدور الذى لم تنقطع عنه منذ وقوع الانقسام قبل ثمانى عشرة سنة.
إن توصّل الفرقاء إلى رؤية إجماعية تحت مظلة المنظمة والسلطة؛ فسيكون ميسورًا الحديث عن تفعيل الخطة وتحييد ورقة السلاح، أما المُناكفة فى الحصص والمواقع وطبيعة الأدوار؛ فلن تقود إلا لمزيدٍ من التردّى، فضلاً على إظهار صورة حماس كما لو أنها تسعى لاستيفاء هزيمتها من القضية، وتوظيف فائض القوّة؛ إن جاز التعبير عن أية فوائض؛ لإرباك البديل الوطنى بدلاً من مُعاونته على تطويق الغُول الصهيونى. وسابقة التجربة مع شريكها "حزب الله" فى لبنان؛ تُرجّح التوجّس على الطمأنينة للأسف.

يُحتَمل أن حماس تُناور؛ مع علمها باستحالة الإفلات باللعبة من أنياب الوحش الأمريكى. وقد تكون باحثة عن خروجٍ مُشرّف، وتستثمر فى الغموض لتوطيد نفوس جمهورها على الأكلاف واجبة السداد.

المهم أن تكون واعيةً لأنها تلعب فى الوقت بدل الضائع، وتقف إزاء الفرصة الأخيرة لإعفاء غزة من حسابات الحركة ومُراوغاتها. وغالب الظن أن الخطة من نوعيّة "خذه كاملا أو اتركه"، وليست أساسًا للتفاوض على الشروط والترتيبات.
ربما يُقبَل البحث فى التفاصيل الهامشية؛ لكنّ المحاور العريضة لن تكون عُرضةً للأخذ والرد، وسيتبيّن الموقف الأمريكىُّ بجلاء بعدما تبرُد حماسة البدايات، ويُصدَم الرجل بخسارته فى أوسلو.

كانت أوسلو محطّة مُهمّة فى مسار القضية، ويبدو أنها تعود للدور نفسه اليوم؛ وإن كان من زاوية سلبية نسبيا. فإمّا تُربّت على العظمة الترامبية بالجائزة غير المُستحقّة؛ دفعًا نحو حلٍّ عقلانى أقل ظلمًا وانحيازًا، أو تستفزّه ليُظهر وجهًا أشدّ شراسة، وتغوّلاً على الضحايا لصالح حليفه الصهيونى المُتوحّش.

الخطة فى ذاتها ليست مثاليّة، والتنفيذ قد يُرَشِّدُ سوآتها أو يُضعافها. والحركة أكثر العارفين بعجزها عن مواصلة الحرب، وبانقطاع أملها فى إبطائها أو وقفها دون تنازلات؛ المهم أن تكون جاهزةً لإعلاء القضية والمنكوبين فوق كلّ الاعتبارات، وأن تترك فلسطين لتتقدّم واجهةَ الصورة، بدلاً من احتباسها قهرًا وراء الراية الخضراء.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب