عصام محمد عبد القادر

سمو العلاقة الزوجية

الجمعة، 31 أكتوبر 2025 05:00 ص


السكينة تعنى الطمأنينة والهدوء الذى نحصده كثمرة للزواج، وهذا يتأتى بعد المرور بحالة من الاضطراب التى تنتاب الإنسان قبل الحدث الجليل؛ إذ يبحث فى الكون الفسيح عمن يجد لديه مقدارًا من المودة، وسعة من الرحمة، ومساحة من التفاهم والتلاقى، حول مسلمات تعزز العلاقة، وتحفر الأمل والطموح، وتزيد من مقدار التطلعات نحو بناء مستقبل مفعم بمجريات تحمل فى طياتها أحلام مشروعة، يرسمُها الطرفان، فى صورة تؤكد على التوافق والتآلف فى خضم سفينة المحبة، وهذا ما أكدت عليه الآية الكريمة فى قوله تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، الروم (21).

اعتقد أن العلاقة الزوجية السامية تتعدى ركن الاحتياج، وتصل بالطرفين إلى بوابة المشاركة والشراكة الفاعلة، التى تقوم على قدر كبير من التفاهم، حول ما يؤدى بهما للعاطفة الصادقة المعبرة عن صدق القبول، وشغف الإقبال، وحالة الأنس، الباعثة لبهجة القلوب، وهذا بالطبع يتجاوز حدود الاستقرار، إلى مرتبة الارتباط الطبيعية التى فطر الله – تعالى - عليه بنى البشر، وهو معنى عميق لا يصل إليه كثير من أصحاب العقود المبرمة على مشاهد من الخاصة والعامة، قال رب العزة فى كتابه المجيد (هُوَ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ۖ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ ۖ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ)، الأعراف (189).

سمو العلاقة الزوجية تبدو فى شعور الشريكان بالراحة النفسية، القائمة على دلالة الستر والدفء، والمؤسسة على مبدأ الحماية؛ حيث يدرك فيها الإنسان أنه مسؤول عن شريكه، وأن سريرته نقية فى كل ما يؤديه من أعمال، أو يمارسه من أفعال، وهذا ما يخلق واحة من الحنان المرئية بكل وضوح فى حالات الإيثار المتواصلة، المبنية على قناعة داخلية للفرد، تتأتى من إرادة وعزيمة تجاه استكمال مراحل بناء الكيان الأسرى، بصورة تحكمها معادلة التواصل والاستدامة؛ لذا أشار خالق السماء بلا عمد إلى بديع هذا المعنى فى محكم التنزيل فى قوله تعالى (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ)، البقرة (187).

العلاقات السامية فى مكمنها لا تخرج إلا من قلوب صافية، وعقول راقية، ووجدان تغذى على اتصاف قيمى نبيل؛ لذا تخرج العلاقة الزوجية من إطار النفع المشترك إلى مساحة تذوب فيها الصعاب، وتتفكك على مهد أرضها المشكلات، ويتجاوز من خلالها نوازل الأيام؛ فتبقى النفوس متمسكة بفلسفة ذوقِ الرحابةِ؛ حيث سعة الصدر، والتحمل، والمقدرة على الصمود، وتجنب إثارة ما يعكر الصفو، بل، الوصول إلى بوابة التسامح التى لا تنغلق ما دامت الدماء تجرى فى العروق، وهنا تتحول حالات الأخذ والرد، إلى فقه العطاء الذى لا ينضب، وفى دعوة الصالحين ما ينبغى أن نتمسك به؛ حيث عبر القرآن الكريم عن ذلك بوضوح فى قول الله تعالى (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)، الفرقان (74).

نوقن ماهية سمو العلاقة فى صورة الميثاق، الذى أضحى سنة كونية لا يعلو قدرها ولا عظمها أمر آخر؛ لذا تعدى الزواج مرحلة العقد المبرهن عن توافق، واتفاق، وحفظ الحقوق؛ لينتقل إلى عهد مقدس أمام الله – تعالى – والأجمعين ممن شهدوا عليه، وهذا ما يذكرنا دومًا بأن الحياة ليست خطوطًا فاصلة، بل، سياج قوى متماسك؛ ومن ثم صار الحفاظ على العهد من المنجيات؛ إذ تتعدى العلاقة حدود القانون، وتصل إلى مكانة المسؤولية الأخلاقية التى تحافظ على الصرح العظيم المشكل للبنة بناء إنسان يقع على كاهله أمانة الاستخلاف؛ حيث أكدت الآية الكريمة على هذا المغزى والمعنى بكل وضوح فى قوله عز وجل (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا)، النساء، (21).. ودى ومحبتى لوطنى وللجميع.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب