فى حدث تاريخى غير مسبوق، شارك الملك تشارلز والبابا لاوُن أول صلاة مشتركة بين ملك بريطانى وبابا الفاتيكان منذ خمسة قرون، وبدأت المراسم بتلاوة الصلاة باللغة الإنجليزية داخل أروقة كنيسة سيستينا، أكبر كنائس القصر الباباوى، فى مشهد رمزى يعكس التقارب والوحدة بين الكنيستين الإنجليزية والكاثوليكية بعد قرون من الانقسام.
وتأتى هذه الصلاة المشتركة للمرة الأولى منذ انفصال كنيسة إنجلترا عن الكنيسة الكاثوليكية فى القرن السادس عشر، فيما خُرق التقليد المتعارف عليه بعدم تصوير الملوك أثناء صلاتهم، لتكون هذه اللحظة عرْضاً علنياً للوحدة والتقارب.
نزوات هنرى الثامن سبب الخلاف التاريخى بين بريطانيا والفاتيكان
بدأ خصام الفاتيكان وإنجلترا منذ حوالى 500 عام مع انشقاق الملك هنري الثامن عن الكنيسة الكاثوليكية عام 1534، مما أدى إلى تأسيس الكنيسة الأنجليكانية، تسبب هذا الانفصال في انقطاع طويل وقطيعة دبلوماسية وعلاقات متوترة، والذي شهد أحداث عنف واتهامات متبادلة، وفي السنوات الأخيرة شهدت العلاقات تطوراً، خاصة مع زيارة الملك تشارلز الثالث للفاتيكان في أكتوبر 2025، حيث صلى علناً مع البابا ليو الرابع عشر في الفاتيكان، وهي أول صلاة مشتركة بين ملك بريطاني وبابا منذ خمسة قرون.
ووفقا لموسوعة "التاريخ العالمي" ترجع أصول الإصلاح الديني في إنجلترا إلى السياسة وتعود بصفة خاصة إلى عهد الملك هنري السابع (1485-1509م)، وكان هنري يرتب لكي يزوج ابنه الأكبر آرثر (1486م) من الأميرة الإسبانية كاثرين من أراجون (1485-1536)، ابنة فرديناند الثاني ملك أراجون (1479-1516م)، تم الزواج فعلاً في 1501م، لكن لسوء الحظ توفى الزوج آرثر في العام التالي وعمره لا يتجاوز الخامسة عشر.
وفى هذه الأثناء كان هنري السابع حريصاً أشد الحرص على إبقاء العلاقات الودية مع إسبانيا ومن ثم سعى، بعد الحصول على إذن خاص من البابا، لكي يخطب الأرملة الصغيرة كاثرين لابنه الثاني الأمير هنري (1491م)، ثم توفي الملك هنري السابع في أبريل 1509م وخلفه ابنه الأمير هنري على العرش، ووفقاً للترتيبات، تزوج هنري من كاثرين في 11 يونيو وتم تتويجه تحت اسم الملك هنري الثامن بكنيسة وستمنستر في 24 يونيو 1509م.
في البداية كان الزواج سعيداً وأثمر عن ستة أطفال لكنهم كلهم عدا واحد ماتوا صغاراً ولم ينجو منهم سوى ماري، التي ولدت في 18 فبراير 1516م، وبعدما بلغت الأربعين، بدت فرص كاثرين ضعيفة وشحيحة لكي تنجب للملك الابن الذكر الذي ظل يحلم به، فاتجهت أنظار هنري للبحث عن زوجة ثانية أكثر شباباً وحيوية، حينئذ استقرت عواطف الملك على إحدى وصيفات القصر وتدعى آن بولين (1501-1536م) لكن آن أصرت على أن تتزوج شرعياً من الملك قبل حتى التفكير في إنجاب أي أطفال، هكذا أصبحت مشكلة هنري تكمن في إيجاد طريقة للتخلص من زيجة كاثرين، فيما اشتهرت في ذلك الزمان باسم "المعضلة الكبرى" ومن هذه النقطة انطلقت عجلة الإصلاح الديني في إنجلترا بلا رجعة.
وقتها كانت الكنيسة الكاثوليكية لا تجيز الطلاق وبالتالي كان يتعين على هنري الثامن التفكير في حجة مختلقة لكي يلغي زواجه من منطلق بطلان انعقاده من الأصل، بناء عليه أرسل خطاباً إلى البابا مفاده أن عدم إنجاب وريث ذكر كان بمثابة عقاباً من الله لزواج هنري من زوجة شقيقه المتوفي، وهي حجة لها ما يؤيدها في العهد القديم.
وبناء عليه تمنى الملك على البابا أن يلغي الزواج. لكن لسوء حظ هنري كان البابا كليمنت السابع (1523-1534م) حريصاً على إبقاء صلة الود مع أقوى حاكم في أوروبا في ذلك الزمان، إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة تشارلز الخامس الإسباني (1519-1556م)، الذي كان كذلك ابن أخت الملكة كاثرين، باختصار، ما كان البابا بحاجة إلى دعم سياسي أو مالي من إنجلترا وما كان بالإمكان ممارسة أي نوع من الضغوط عليه، أكثر من ذلك، كانت هناك شبهة في أن يكون كاثرين وآرثر، بالنظر إلى صغر سنهما في ذلك الوقت، قد تضاجعا معاً وبالتالي لا يسري تحريم سفر اللاويين في هذه الحالة وبالتالى رفض البابا رغبة الملك.
بعد هذا الخلاف قرر الملك هنرى فصل الكنيسة في إنجلترا عن كنيسة روما الكاثوليكية ونصب نفسه على المقعد البابوى بصفته رأس الكنيسة الإنجليزية، ووقتها أصبح باستطاعته أن يهب نفسه قرارا إلغاء زواجه الأول من كاترين، ورداً على ذلك أصدر البابا مرسوماً بطرد هنري من العقيدة المسيحية واعتباره مرتداً بسبب أفعاله تلك.