في خضم ما تشهده منطقتنا العربية من اضطرابات وصراعات محتدمة، تقف مصر ــ كعادتها عبر التاريخ ــ على مفترق طرق بالغ الحساسية.
فالنيران تشتعل من حولها في أكثر من اتجاه، والمشهد الإقليمي يتغير بوتيرة متسارعة، تحتم علينا أن نقرأ الواقع بعقلٍ بارد، وقلبٍ وطنيٍ دافئ، وإرادةٍ لا تلين.
ففي السودان، ما زالت الأزمة مستمرة، تتبدل ملامحها من يومٍ لآخر، وها هي بعض المدن — كمدينة الفاشر — تسقط تحت سيطرة فصائل مسلحة تدعمها أطراف خارجية، لتتحول أرض السودان الشقيق إلى ساحة صراعٍ تتقاطع فيها مصالح القوى الإقليمية والدولية.
وفي غزة، توقفت الحرب رسميًا، لكن نيرانها لم تنطفئ تمامًا؛ فما زال الاحتلال يمارس خروقاته اليومية ويستهدف مواقع ومناطق مدنية تحت ذرائع واهية، في محاولة لإبقاء غزة تحت التهديد الدائم.
ورغم أن أصواتًا دولية كثيرة نادت بالتهدئة وإعادة الإعمار، إلا أن الأطماع الإسرائيلية لم تتراجع، وما زالت بعض الدوائر تتحدث علنًا عن «احتلال غزة بالكامل» أو «فرض الوصاية الأمنية عليها»، في مخططٍ خبيث يهدف إلى تغيير معالم الجغرافيا والهوية الفلسطينية على حدٍّ سواء.
ورغم كل ذلك، يظلّ الشعب الفلسطيني صامدًا، يواجه بإرادته ما عجزت عنه الجيوش، ويثبت للعالم أن الإيمان بالحق أقوى من ترسانة السلاح، وأن الأوطان لا تُقاس بمساحتها، بل بثبات أهلها عليها.
أما ليبيا، فما زالت تعاني من الانقسام والتجاذب، لتصبح أرضها مفتوحة أمام التدخلات، ومصدر قلق دائم لجيرانها.
أما على صعيد السياسة الإقليمية، فإن مصر تلعب دورًا سياسيًا محوريًا بامتياز في تهدئة بؤر التوتر وهدم الصراعات، من خلال تحركاتها المتزنة وعلاقاتها المتوازنة مع جميع الأطراف.
فهي تتعامل مع الأزمات من منطلق «الحل لا التصعيد»، وتسعى إلى تثبيت الأمن والاستقرار في محيطها العربي والإفريقي، دون الانجرار إلى محاور أو تحالفات تُضعف الموقف العربي المشترك.
ووسط كل هذه العواصف، تبقى مصر صخرة التوازن في قلب العاصفة؛ بثقلها التاريخي، وموقعها الجغرافي، ودورها المحوري في حفظ الأمن العربي والإقليمي.
وهي اليوم أحوج ما تكون إلى تماسك أبنائها ووحدة صفّهم، لأن الخطر الحقيقي لا يأتي فقط من الخارج، بل من أولئك الذين يحاولون ضرب الثقة بين الشعب ومؤسساته، مستغلين كل أزمة اقتصادية أو تحدٍّ معيشي لبث روح الإحباط والانقسام.
يتخفّى بعضهم وراء خطاب ديني أو وطني زائف، فيتحدثون بلسان الواعظ، بينما هم في الحقيقة يسعون لإشعال الفتنة وإثارة الشكوك في الدولة ومؤسساتها.
ينظرون دائمًا إلى النصف الفارغ من الكوب، ولا يرون في وطنهم إلا السوء، متغافلين عن الجهود الصادقة التي تُبذل لنهضته واستقراره.
إنّ مثل هؤلاء لا يريدون لمصر أن تقف على قدميها، ولا أن تبقى آمنة مطمئنة، ولهذا وجب على كل مصري واعٍ أن يكون حذرًا من خطابهم الهدّام، وأن يدرك أن الحفاظ على وحدة الوطن أقدس من كل اختلافٍ في الرأي.
إنّ المعركة الحقيقية ليست فقط على الحدود، بل في الوعي؛ فحروب اليوم تُدار بالإعلام والمعلومة الزائفة والشائعة، قبل أن تُدار بالبندقية.
ومن هنا، يصبح الوعي الوطني هو خط الدفاع الأول، والوحدة المجتمعية هي السلاح الأهم.
ولذلك، فإن الواجب الوطني يقتضي أن نقف جميعًا صفًّا واحدًا؛ شعبًا ومؤسسات، لحماية الوطن من محاولات العبث بأمنه واستقراره.
وأن نقف صفًا واحدًا خلف جيشنا الوطني وقيادتنا السياسية، فهما درع الوطن وسنده في مواجهة التحديات.
لقد أثبت الجيش المصري، عبر تاريخه الطويل، أنه حارس الأرض والعِرض، وأنه لا يتأخر يومًا عن نداء الواجب، بينما تعمل القيادة السياسية بحكمةٍ وصبرٍ على حماية الدولة من الانزلاق إلى أتون الفوضى التي التهمت غيرها.
إن دعمنا لجيشنا وقيادتنا ليس مجاملة، بل واجب وطني وشرف؛ لأن أمن مصر مسؤولية مشتركة بين مؤسساتها وشعبها، ولأن الأوطان لا تُبنى إلا بالثقة والتكاتف والولاء الصادق.
لقد علمتنا تجارب التاريخ أن مصر لا تُحمى إلا بأبنائها، وأن قوتها الحقيقية تكمن في وحدتهم، وفي إدراكهم أن الأزمات ــ مهما اشتدت ــ تمر، لكن الوطن إن تصدّع، يصعب التئامه.
فلنكن على قدر هذه اللحظة التاريخية، ولنرفع جميعًا شعار:مصر أولًا، وأمنها فوق كل اعتبار.