كشفت دراسة جديدة أجرتها جامعة بونس للعلوم الصحية في بورتوريكو إلى أن انقطاع الطمث لا يقتصر فقط على التغيرات الهرمونية التي تصيب المرأة، بل يمتد ليشمل تغيرات هيكلية في الدماغ قد تؤثر بشكل مباشر على الذاكرة والمزاج ووظائف التفكير، بحسب موقع ميديكال نيوز توداي.
قام الباحثون بمراجعة شاملة للدراسات العلمية المنشورة بين عامي 2020 و2025، بهدف فهم أعمق لكيفية إعادة تشكيل الدماغ خلال مرحلة انقطاع الطمث، وقد كشفت المراجعة، التي أجراها مختبر BRAVE بالجامعة، عن أنماط متكررة من التغيرات العصبية التي يمكن أن تفسر أسباب التقلبات المزاجية، وصعوبات التركيز، وضعف الذاكرة التي تعاني منها كثير من النساء في هذه المرحلة الانتقالية من حياتهن.
انخفاض في حجم المادة الرمادية وارتفاع كثافة المادة البيضاء
أحد أبرز ما لاحظه الباحثون هو انخفاض حجم المادة الرمادية في الدماغ لدى النساء خلال فترة انقطاع الطمث، والمادة الرمادية تُعد من المكونات الأساسية للدماغ المسؤولة عن التفكير، والذاكرة، واتخاذ القرار، والتحكم في الحركة، ويرتبط نقصانها عادةً بالتدهور الإدراكي أو ضعف الأداء العقلي.
ورغم أن هذا الاكتشاف قد يبدو مقلقًا، إلا أن الدراسات أظهرت أن الدماغ قادر على إعادة تنظيم نفسه جزئيًا بعد انقطاع الطمث، مما يشير إلى وجود آلية طبيعية للتكيف مع التغيرات الهرمونية.
وفي المقابل، رصد الفريق زيادة في كثافة المادة البيضاء، وهي التغيرات التي تظهر على شكل بقع ساطعة في فحوصات الرنين المغناطيسي، وتشير هذه البقع إلى احتمالية وجود إجهاد أو ضرر في مسارات الاتصال العصبي داخل الدماغ، مما قد ينعكس على التفكير والمزاج اليومي.
ووفقًا للدراسة، فإن هذه التغيرات تكون أكثر وضوحًا لدى النساء اللواتي مررن بانقطاع طمث مبكر أو عانين من هبات ساخنة متكررة وتعرق ليلي.
طمأنة من الخبراء
علقت الدكتورة ستيفاني فوبيون، المديرة الطبية لجمعية انقطاع الطمث، على نتائج الدراسة محذّرة من المبالغة في القلق، وقالت إن "انقطاع الطمث يرتبط فعلًا ببعض التغيرات البنيوية في الدماغ، لكن لا يوجد دليل واضح حتى الآن على أن هذه التغيرات تسبب تدهورًا وظيفيًا أو معرفيًا طويل الأمد".
وأكدت فوبيون أن أعراض النسيان وصعوبة التركيز التي تعاني منها بعض النساء في هذه المرحلة لا تعني بالضرورة وجود خطر على الصحة العقلية أو احتمالية الإصابة بالخرف مستقبلًا، مشيرة إلى أن الدراسات لم تجد رابطًا مؤكدًا بين "ضباب الدماغ" أثناء انقطاع الطمث ومرض الزهايمر.
العلاج الهرموني ودوره في حماية الدماغ
من جانبها، تحدثت الدكتورة روندا ر. فوسكول، أستاذة علم الأعصاب بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، عن أهمية العلاج الهرموني البديل (HRT) في التخفيف من أعراض انقطاع الطمث وتأثيراته العصبية. وأوضحت أن "العلاج المبكر بالإستروجين يكون أكثر فاعلية من العلاج المتأخر، لأن استجابة الجسم للإستروجين تقل تدريجيًا بمرور الوقت".
وأضافت أن النساء اللواتي لا زلن يمتلكن رحمًا يحتجن إلى دمج هرمون البروجسترون مع الإستروجين لضمان توازن هرموني آمن.
كما لفتت فوسكول إلى أن فقدان الإستروجين، الذي يمتلك خصائص عصبية واقية، قد يكون أحد الأسباب التي تفسر ارتفاع معدل إصابة النساء بمرض الزهايمر مقارنة بالرجال.
وأشارت إلى ضرورة إجراء المزيد من الأبحاث لمعرفة ما إذا كان العلاج الهرموني يمكن أن يقلل فعلاً من خطر الإصابة بالأمراض العصبية في السنوات اللاحقة.
فهم أعمق لمرحلة طبيعية في حياة المرأة
يعرف انقطاع الطمث بأنه توقف الدورة الشهرية لمدة عام كامل نتيجة توقف المبايض عن إنتاج الهرمونات الأنثوية الأساسية، وهما الإستروجين والبروجسترون.
وغالبًا ما يحدث ذلك بين سن 51 و52 عامًا، لكن بعض النساء قد يدخلن هذه المرحلة مبكرًا لأسباب طبية، مثل إزالة المبايض أو الخضوع لعلاجات السرطان.
تسبق هذه المرحلة فترة تعرف باسم ما قبل انقطاع الطمث، قد تمتد لعقد كامل وتشهد خلالها المرأة تقلبات هرمونية واضحة.
وتتنوع الأعراض بين الجسدية والنفسية، وتشمل الهبات الساخنة، والتعرق الليلي، واضطرابات النوم، والتقلبات المزاجية، والتعب، وضعف التركيز، وهي أعراض تختلف في شدتها من امرأة لأخرى.
خيارات العلاج
يمكن التخفيف من هذه الأعراض عبر العلاج الهرموني التعويضي، الذي يساعد على استقرار مستويات الهرمونات ويقلل من حدة الهبات الساخنة.
كما يمكن استخدام مضادات الاكتئاب من نوع مثبطات السيروتونين الانتقائية (SSRIs) للمساعدة في تحسين المزاج وتنظيم النوم.