تتقدم تقنيات الذكاء الاصطناعي بوتيرة سريعة، وتدفع المخاوف بشأن العواقب الوخيمة الحكومة الأمريكية، ربما بالتنسيق مع حلفائها ذوي التفكير المماثل، إلى السيطرة على تطوير الذكاء الاصطناعي، تختار الولايات المتحدة التخلي عن نهجها التقليدي المتساهل في تنظيم تكنولوجيا المعلومات وتطوير البرمجيات، وتشرع بدلاً من ذلك في تنظيم وإشراف واسع النطاق، ويؤدي هذا إلى احتكار الحكومة الأمريكية وشركاء مختارين (مثل المملكة المتحدة) لموارد حوسبة الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات والخوارزميات المتقدمة والمواهب، من خلال التأميم والتنظيم الشامل، وعلى غرار مبادرات الحكومة الأمريكية السابقة، مثل برنامج أبولو ومشروع مانهاتن، يتم تطوير الذكاء الاصطناعي تحت سلطة الحكومة بدلاً من رعاية الشركات الخاصة. في قطاع الدفاع، قد يؤدي هذا إلى ديناميكية سباق تسلح، حيث تبدأ الحكومات الأخرى برامج تطوير الذكاء الاصطناعي الخاصة بها خوفاً من التخلف عن الركب في عصر يقوده الذكاء الاصطناعي. وعلى مستوى أدوات القوة، قد يؤدي هذا التأميم أيضاً إلى تغيير التوازن بين من يملكون ومن لا يملكون، حيث ترى البلدان الأخرى التي تفشل في مواكبة التحول اقتصاداتها تعاني بسبب نقص القدرة على تطوير الذكاء الاصطناعي ودمجه في القوى العاملة لديها.
مفاجأة صينية
أعلنت ثلاث منظمات صينية - هواوي وبايدو وأكاديمية بكين للذكاء الاصطناعي (AI) - عن اختراق كبير في مجال الذكاء الاصطناعي، مما فاجأ العالم. في هذا السياق، جرى في البداية تجاهل تقدم الذكاء الاصطناعي في الصين، مع التقليل من أهميته باستمرار من قبل صانعي السياسات في الاقتصادات المتقدمة والديمقراطية. تتفوق الشركات الصينية ومعاهد الأبحاث والمختبرات الحكومية الرئيسية على المنافسين الأجانب، ويرجع ذلك جزئياً إلى قدرتها المحسنة على استيعاب كميات هائلة من التمويل الحكومي. كما تقدمت نماذج الذكاء الاصطناعي الحديثة بشكل مطرد، مستفيدة من ميزة البيانات التنافسية الناتجة عن عدد السكان الهائل. وأخيراً، يتيح الاندماج بين العسكري والمدني في الصين للجهات الفاعلة الرئيسية في قطاعات الصناعة والأوساط الأكاديمية والحكومة مشاركة الموارد عبر بنية تحتية للذكاء الاصطناعي بصورة غير مسبوقة. وهذا يثير مخاوف شديدة لدى القادة السياسيين والعسكريين الأمريكيين من أن قدرات الذكاء الاصطناعي المكتشفة حديثاً في الصين ستمنحها تفوقاً عسكرياً على الولايات المتحدة. ونظراً لما سبق ذكره، تدعم الشراكات المتينة - حول العالم - بين الحكومات والقطاع الصناعي العالمي ومنظمات المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية ومؤسسات البحث، التطوير السريع للذكاء الاصطناعي ونشره. تشكل هذه الشراكات تحالفاً ينفذ مشاريع تعاونية متعددة الأطراف، تتيح الوصول إلى بيانات واسعة النطاق وموارد تدريبية وحوسبية وتخزينية. ومن خلال التمويل من حكومات عديدة، يطوّر التحالف حلولاً مشتركة وجهوداً معيارية لتقييم موثوقية أنظمة الذكاء الاصطناعي واعتماديتها وفعاليتها والتحقق منها. وتعتمد الهيئات الحكومية الدولية الجديدة والقائمة، بما في ذلك مجلس أبوظبي للذكاء الاصطناعي، على مشاركة ومساهمات متنوعة لوضع معايير الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي. والنتيجة قطاع ذكاء اصطناعي مزدهر يدعم النمو الاقتصادي، بالتزامن مع تطوير وتقييم أنظمة عادلة وآمنة.
المنافسة بين الشركات والدول
لطالما تنافست الدول والشركات على النفوذ. تتحدى شركات التكنولوجيا الكبرى الحكومات بطرق تقليدية عديدة، مع إضافة مناهج جديدة إلى المزيج. وعلى غرار الشركات متعددة الجنسيات التقليدية، تتجاوز هذه الشركات الحدود الوطنية؛ ومع ذلك، تؤثر شركات التكنولوجيا الكبرى أيضاً في المجتمعات المحلية بطرق أكثر شمولاً وتوغلاً، لأنها تمس حياة المستهلكين وتجمع البيانات عن مواقعهم وأنشطتهم وعاداتهم. كما تؤثر شركات التكنولوجيا الكبرى في الاقتصادات الوطنية والسياسات المحلية بطرق جديدة، لأنها تؤثر في انتشار المعلومات (والمعلومات المضللة) وتخلق مجتمعات وثقافات فرعية جديدة. وقد ساهم ذلك في استقطاب السكان في العديد من البلدان وتغيير الأنظمة في بلدان أخرى. وتتمتع شركات الذكاء الاصطناعي على وجه التحديد بإمكانية الوصول إلى صناديق استثمارية ضخمة وقوة حوسبة هائلة، مما يمنحها مزايا إضافية.
وعلى الرغم من أن التكنولوجيا غالباً ما أثرت في الجغرافيا السياسية، فإن آفاق الذكاء الاصطناعي تعني أن التكنولوجيا نفسها قد تصبح فاعلاً جيوسياسياً. قد تختلف دوافع وأهداف الذكاء الاصطناعي اختلافاً كبيراً عن دوافع وأهداف الحكومات والشركات الخاصة. كما أن عجز البشر عن فهم كيفية "تفكير" الذكاء الاصطناعي، ومعرفتنا المحدودة بالتأثيرات الثانوية لأوامرنا أو طلباتنا منه، أمران مثيران للقلق الشديد. يواجه البشر صعوبة كافية في التفاعل مع بعضهم البعض، ويبقى أن نرى كيف سندير علاقاتنا مع واحد أو أكثر من أنظمة الذكاء الاصطناعي.
بين التنوير والفوضى
إن طبيعة الذكاء الاصطناعي العابرة للحدود تجعل من الصعب التحكم فيه أو تنظيمه. ومع توسع قوة الحوسبة، وتحسن النماذج، ونضوج الأطر مفتوحة المصدر، ستزداد سهولة إنشاء تطبيقات ذكاء اصطناعي بالغة التأثير. في عالم كهذا، سيستخدم الباحثون والمهندسون ذوو النوايا الحسنة هذه القوة لإنجاز أمور رائعة، وسيستخدمها ذوو النوايا السيئة لإنجاز أمور فظيعة، وقد تنجز أنظمة الذكاء الاصطناعي أموراً رائعة ورهيبة في آن واحد. والنتيجة النهائية ليست عصر تنوير نقيّاً ولا كارثة كاملة، بل مزيج من الاثنين. ستتعلم البشرية كيف تتعايش مع هذه التقنية التي تغير قواعد اللعبة، تماماً كما فعلنا مع العديد من التقنيات التي غيرت العالم في الماضي.